التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة عبس

مقدمة وتمهيد

1- سورة " عبس " من السور المكية ، وتسمى سورة " الصاخة " وسورة " السفرة " لوقوع هذه الألفاظ فيها .

2- وعدد آياتها : اثنتان وأربعون آية في المصحف الكوفي ، وإحدى وأربعون في البصري ، وأربعون في الشامي . . وكان نزولها بعد سورة " النجم " وقبل سورة " القدر " . فهي تعتبر السورة الثالثة والعشرون في ترتيب النزول ، أما في ترتيب المصحف فهي السورة الثمانون .

وقد افتتحت بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يجب عليه نحو ضعفاء المسلمين ، وبإرساء القاعدة التي يجب على المسلمين أن يتبعوها عند معاملتهم للناس ، والثناء على المؤمنين الصادقين مهما كان عجزهم وضعفهم والتحذير من إهمال شأنهم .

ثم تذكير المؤمنين بجانب من نعمه –تعالى- عليهم ، لكي يزدادوا شكرا له –تعالى- على شكرهم ، ثم تذكيرهم أيضا بأهوال يوم القيامة ، وبأحوال الناس فيه .

قد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات ملخصها : " أن النبى صلى الله عليه وسلم كان جالسا فى أحد الأيام ، مع جماعة من زعماء قريش يدعوهم إلى الإِسلام ، ويشرح لهم تعاليمه ، فأقبل عبد الله بن أم مكتوم - وكان كفيف البصر - فقال : أقرئنى وعلمن مما علمك الله ، يا رسول الله ، وكرر ذلك ، وهو لا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم مشغول بدعوة هؤلاء الزعماء إلى الإِسلام ، رجاء أن يسلم بسبب إسلامهم خلق كثير . .

فلما أكثر عبد الله من طلبه ، أعرض عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآيات التى عاتب الله - تعالى - فيها نبيه صلى الله عليه وسلم على هذا الإِعراض . . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه ، إذا رآه ، ويقول له : " مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى " ويبسط له رداءه . . "

قال الآلوسى : وعبد الله بن أم مكتوم ، هو ابن خال السيدة خديجة ، واسمه عمرو بن قيس . وأم مكتوم كنية أمه ، واسها عاتكة بنت عبد الله المخزومية ، واستخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة أكثر من مرة . . وهو من المهاجرين الأولين . قيل : مات بالقادسية شهيدا نوح فتح المدائن أيام عمر بن الخطاب - رضى الله عنه . .

ولفظ " عبس " - من باب ضرب - مأخوذ من العبوس ، وهو تقطيب الوجه ، وتغير هيئته مما يدل على الغضب .

وقوله { وتولى } مأخوذ من التولى وأصله تحول الإِنسان عن مكانه الذى هو فيه إلى مكان آخر ، والمراد به هنا الإِعراض عن السائل وعدم الإِقبال عليه .

وحذف متعلق التولى ، لمعرفة ذلك من سياق الآيات ، إذ من المعروف أن إعراضه صلى الله عليه وسلم كان عن عبد الله ابن أم مكتوم الذى قاطعه خلال حديثه مع بعض زعماء قريش .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة عبس مكية وآياتها ثنتان وأربعون

هذه السورة قوية المقاطع ، ضخمة الحقائق ، عميقة اللمسات ، فريدة الصور والظلال والإيحاءات ، موحية الإيقاعات الشعورية والموسيقية على السواء .

يتولى المقطع الأول منها علاج حادث معين من حوادث السيرة : كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] مشغولا بأمر جماعة من كبراء قريش يدعوهم إلى الإسلام حينما جاءه ابن أم مكتوم الرجل الأعمى الفقير - وهو لا يعلم أنه مشغول بأمر القوم - يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله ، فكره رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] هذا وعبس وجهه وأعرض عنه ، فنزل القرآن بصدر هذه السورة يعاتب الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] عتابا شديدا ؛ ويقرر حقيقة القيم في حياة الجماعة المسلمة في أسلوب قوي حاسم ، كما يقرر حقيقة هذه الدعوة وطبيعتها : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى . أو يذكر فتنفعه الذكرى . أما من استغنى فأنت له تصدى ! وما عليك ألا يزكى ? وأما من جاءك يسعى وهو يخشى ، فأنت عنه تلهى ? ! كلا ! إنها تذكرة ، فمن شاء ذكره ، في صحف مكرمة ، مرفوعة مطهرة ، بأيدي سفرة ، كرام بررة ) . .

ويعالج المقطع الثاني جحود الإنسان وكفره الفاحش لربه ، وهو يذكره بمصدر وجوده ، وأصل نشأته ، وتيسير حياته ، وتولي ربه له في موته ونشره ؛ ثم تقصيره بعد ذلك في أمره :

( قتل الإنسان ما أكفره ! من أي شيء خلقه ? من نطفة خلقه فقدره ، ثم السبيل يسره ، ثم أماته فأقبره ، ثم إذا شاء أنشره ، كلا ! لما يقض ما أمره ) . .

والمقطع الثالث يعالج توجيه القلب البشري إلى أمس الأشياء به وهو طعامه وطعام حيوانه . وما وراء ذلك الطعام من تدبير الله وتقديره له ، كتدبيرة وتقديره في نشأته :

( فلينظر الإنسان إلى طعامه ، أنا صببنا الماء صبا . ثم شققنا الأرض شقا ، فأنبتنا فيها حبا ، وعنبا وقضبا ، وزيتونا ونخلا ، وحدائق غلبا ، وفاكهة وأبا ، متاعا لكم ولأنعامكم ) . .

فأما المقطع الأخير فيتولى عرض( الصاخة )يوم تجيء بهولها ، الذي يتجلى في لفظها ، كما تتجلى آثارها في القلب البشري الذي يذهل عما عداها ؛ وفي الوجوه التي تحدث عما دهاها :

( فإذا جاءت الصاخة . يوم يفر المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ، وجوه يومئذ مسفرة ، ضاحكة مستبشرة ، ووجوه يومئذ عليها غبرة ، ترهقها قترة ، أولئك هم الكفرة الفجرة ) . .

إن استعراض مقاطع السورة وآياتها - على هذا النحو السريع - يسكب في الحس إيقاعات شديدة التأثير . فهي من القوة والعمق بحيث تفعل فعلها في القلب بمجرد لمسها له بذاتها .

وسنحاول أن نكشف عن جوانب من الآماد البعيدة التي تشير إليها بعض مقاطعها مما قد لا تدركه النظرة الأولى .

1

( عبس وتولى . أن جاءه الأعمى ) . . بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب ! وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب - سبحانه - أن يواجه به نبيه وحبيبه . عطفا عليه ، ورحمة به ، وإكراما له عن المواجهة بهذا الأمر الكريه !

/خ16

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة عبس مكية وآيها ثنتان وأربعون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم عبس وتولى * أن جاءه الأعمى روي أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام فقال يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك ولم يعلم تشاغله بالقوم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه مرحبا بمن عاتبني فيه ربي واستخلفه على المدينة مرتين وقرئ عبس بالتشديد للمبالغة و أن جاءه علة ل تولى أو عبس على اختلاف المذهبين وقرئ آأن بهمزتين وبألف بينهما بمعنى ألئن جاءه الأعمى فعل ذلك وذكر الأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقوم والدلالة على أنه أحق بالرأفة والرفق أو لزيادة الإنكار كأنه قال تولى لكونه أعمى .