التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَيَٰقَوۡمِ مَا لِيٓ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِيٓ إِلَى ٱلنَّارِ} (41)

ثم استنكر موقف قومه منه فقال : { وياقوم مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة } من العذاب الدنيوى والأخروى ، بأن آمركم بالإيمان والعمل الصالح ، وأنهاكم عن قتل رجل يقول ربى الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم وهو موسى - عليه السلام - .

وأنتم { وتدعونني إِلَى النار } أى : تدعوننى لما يوصل إلى النار وهو عبادة غير الله - تعالى - ، والموافقة على قتل الصالحين أو إيذائهم . .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم كرر نداء قومه ؟ ولم جاء بالواو فى النداء الثالث دون الثانى ؟

قلت : أما تكرير النداء ففيه زيادة تنبيه لهم ، وإيقاظ عن سنة الغفلة ، وفيه : أنهم قومه وعشيرته . . ونصيحتهم عليه واجبة ، فهو يتحزن لهم ، ويتلطف بهم ، ويستدعى بذلك أن لا يتهموه - فإن سرورهم سروره ، وغمهم غمه - وأن ينزلوا على تنصيحه لهم ، كما كرر إبراهيم - عليه السلام - فى نصيحة أبيه قوله :

{ ياأبت } فى سورة مريم .

وأما المجئ بالواو العاطفة فى النداء الثالث دون الثانى ، فلأن الثانى داخل على كلام هو بيان للمجمل ، وتفسير له فأعطى الداخل عليه حكمه فى امتناع دخول الواو . وأما الثالث : فداخل على كلام ليس بتلك المثابة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَيَٰقَوۡمِ مَا لِيٓ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِيٓ إِلَى ٱلنَّارِ} (41)

21

ويستنكر الرجل المؤمن أن يدعوهم إلى النجاة فيدعونه إلى النار ، فيهتف بهم في استنكار :

( ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ? ) . .

وهم لم يدعوه إلى النار . إنما دعوه إلى الشرك . وما الفرق بين الدعوة إلى الشرك والدعوة إلى النار ? إنها قريب من قريب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَيَٰقَوۡمِ مَا لِيٓ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِيٓ إِلَى ٱلنَّارِ} (41)

يقول لهم المؤمن : ما بالي أدعوكم إلى النجاة ، وهي عبادة الله وحده لا شريك له وتصديق رسوله الذي بعثه { وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَيَٰقَوۡمِ مَا لِيٓ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِيٓ إِلَى ٱلنَّارِ} (41)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقَوْمِ مَا لِيَ أَدْعُوكُمْ إِلَى النّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيَ إِلَى النّارِ * تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن لقومه من الكفرة : مَالِي أدْعُوكُمْ إلَى النّجَاة من عذاب الله وعقوبته بالإيمان به ، واتباع رسوله موسى ، وتصديقه فيما جاءكم به من عند ربه وَتَدْعُونَنِي إلى النّارِ يقول : وتدعونني إلى عمل أهل النار . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مالِي أدْعُوكُمْ إلى النّجاةِ قال : الإيمان بالله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مَالِي أدْعُوكُمْ إلَى النّجَاة وَتَدْعُونَنِي إلى النّارِ قال هذا مؤمن آل فرعون ، قال : يدعونه إلى دينهم والإقامة معهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَيَٰقَوۡمِ مَا لِيٓ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِيٓ إِلَى ٱلنَّارِ} (41)

قد تقدم ذكر الخلاف هل هذه المقالة لموسى أو لمؤمن آل فرعون . والدعاء إلى طاعة الله وعبادته وتوحيده هو الدعاء إلى سبب النجاة فجعله دعاء إلى النجاة اختصاراً واقتضاباً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَيَٰقَوۡمِ مَا لِيٓ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِيٓ إِلَى ٱلنَّارِ} (41)

أعاد نداءهم وعطفت حكايته بواو العطف للإشارة إلى أن نداءه اشتمل على ما يقتضي في لغتهم أن الكلام قد تخطى من غرض إلى غرض وأنه سَيَطْرَق ما يغاير أول كلامه مغايرة مَّا تُشبه مغايرة المتعاطفين في لغة العرب ، وأنه سيرتقي باستدراجهم في دَرَج الاستدلال إلى المقصود بعد المقدمات ، فانتقل هنا إلى أن أنكر عليهم شيئاً جرى منهم نحوه وهو أنهم أعقبوا موعظتَهُ إياهم بدعوته للإقلاع عن ذلك وأن يتمسك بدينهم وهذا شيء مطوي في خلال القصة دلت عليه حكاية إنكاره عليهم ، وهو كلامُ آيسسٍ من استجابتهم لقوله فيه : { فَسَتَذكُرُونَ مَا أقولُ لَكُم } [ غافر : 44 ] ، ومُتَوقِّععٍ أذاهم لقوله : { وَأُفَوِّضُ أمْرِي إلَى الله } [ غافر : 44 ] ، ولقوله تعالى آخر القصة : { فوقاه الله سيئات ما مكروا } [ غافر : 45 ] . فصرّح هنا وبينّ بأنه لم يزل يدعوهم إلى اتباع ما جاء به موسى وفي اتّباعه النجاة من عذاب الآخرة فهو يدعوهم إلى النجاة حقيقة ، وليس إطلاق النجاة على ما يدعوهم إليه بمجاز مرسل بل يدعوهم إلى حقيقة النجاة بوسائط .

والاستفهام في { مَا لِي أدْعُوكم إلى النجاة } استفهام تعجبي باعتبار تقييده بجملة الحال وهي { وتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ } فجملة { وتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ } في موضع الحال بتقدير مبتدأ ، أي وأنتم تدعونني إلى النار وليست بعطف لأن أصل استعمال : ما لي أفعل ، وما لي لا أفعل ونحوه ، أن يكون استفهاماً عن فعل أو حاللٍ ثبت للمجرور باللام ( وهي لام الاختصاص ) ، ومعنى لام الاختصاص يَكسب مدخولها حالةً خَفيًّا سببُها الذي عُلق بمدخول اللام نحو قوله تعالى : { ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللَّه اثّاقلتم إلى الأرض } [ التوبة : 38 ] { ما لي لا أرى الهدهد } [ النمل : 20 ] وقولك لمن يستوقفك : ما لك ؟ فتكون الجملة التي بعد اسم الاستفهام وخبره جملة فعلية .

وتركيب : ما لي ونحوه ، هو كتركيب : هل لك ونحوه في قوله تعالى : { فقل هل لك إلى أن تزكى } [ النازعات : 18 ] وقول كعب بن زهير :

ألا بلغا عني بُجيرا رسالة *** فهل لك فيما قلتَ ويحْك هلْ لَكَ

فإذا قامت القرينة على انتفاء إرادة الاستفهام الحقيقي انصرف ذلك إلى التعجب من الحالة ، أو إلى الإِنكار أو نحو ذلك . فالمعنى هنا على التعجب يعني أنه يعجب من دعوتهم إياه لدينهم مع ما رأوا من حرصه على نصحهم ودعوتهم إلى النجاة وما أتاهم به من الدلائل على صحة دعوته وبطلان دعوتهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞وَيَٰقَوۡمِ مَا لِيٓ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِيٓ إِلَى ٱلنَّارِ} (41)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة} من النار إضمار يعني التوحيد.

{وتدعونني إلى النار} يعني الشرك.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن لقومه من الكفرة:"مَالِي أدْعُوكُمْ إلَى النّجَاة" من عذاب الله وعقوبته بالإيمان به، واتباع رسوله موسى، وتصديقه فيما جاءكم به من عند ربه، "وَتَدْعُونَنِي إلى النّارِ "يقول: وتدعونني إلى عمل أهل النار.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

إنما يذكر هذا وأمثاله في المواعظ إذا انتهت غايتها، وبلغت نهايتها، فلم ينجع فيهم، وهو كقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} [الكافرون: 6] وقوله تعالى: {لي عملي ولكم عملكم} الآية [يونس: 41]...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

بدأ أولاً بجملة اسمية، وهو استفهام المتضمن التعجب من حالتهم، وختم أيضاً بجملة اسمية ليكون أبلغ في توكيد الأخبار.

وجاء في حقهم {وتدعونني} بالجملة الفعلية التي لا تقتضي توكيداً، إذ دعوتهم باطلة لا ثبوت لها فتؤكد.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الاستفهام في {مَا لِي أدْعُوكم إلى النجاة} استفهام تعجبي باعتبار تقييده بجملة الحال وهي {وتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ} فجملة {وتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ} في موضع الحال بتقدير مبتدأ، أي وأنتم تدعونني إلى النار وليست بعطف؛ لأن أصل استعمال: ما لي أفعل، وما لي لا أفعل ونحوه، أن يكون استفهاماً عن فعل أو حالٍ ثبت للمجرور باللام (وهي لام الاختصاص)، ومعنى لام الاختصاص يَكسب مدخولها حالةً خَفيًّا سببُها الذي عُلق بمدخول اللام نحو قوله تعالى: {ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللَّه اثّاقلتم إلى الأرض} [التوبة: 38]، فتكون الجملة التي بعد اسم الاستفهام وخبره جملة فعلية، فإذا قامت القرينة على انتفاء إرادة الاستفهام الحقيقي، انصرف ذلك إلى التعجب من الحالة أو إلى الإِنكار أو نحو ذلك، فالمعنى هنا على التعجب يعني أنه يعجب من دعوتهم إياه لدينهم مع ما رأوا من حرصه على نصحهم ودعوتهم إلى النجاة، وما أتاهم به من الدلائل على صحة دعوته وبطلان دعوتهم...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

هذا كلام الرجل المؤمن من آل فرعون، كأنه كلام الأنبياء، وإني حتى الآن لم أَهْتد إلى سبب يقنعني كيف سكت فرعون على هذا الكلام، ولا أستطيع إلا أن أقول: إن الله سبحانه قادر على أنْ يجمع بين الشيء ونقيضه، فالمؤمن يجهر بهذا الكلام الإيماني لكن الحق سبحانه يُدخله في أذن فرعون غير ذلك، وإلا لما سكت عنه وتركه يتكلم بهذا المنطق الإيماني الذي يهدم ألوهية فرعون المدَّعاة، أو كما قلنا أن وارد الرحمن لا يُعارض.

وقوله: {مَا لِيۤ} يستفهم عن شيء في نفسه: كيف أدعوكم إلى النجاة وأنتم تدعونني إلى النار؟ أي: إلى ما يؤدي إلى النجاة وما يؤدي إلى النار، قالوا: لأن الخير لا يكون خيراً إلا إذا أحببته لسواك، لذلك قال صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الكلام الأخير:

في خامس وآخر مرحلة يزيل مؤمن آل فرعون الحجب والأستار عن هويته، إذ لم يستطع التكتم ممّا فعل، فقد قال كلّ ما هو ضروري، أمّا القوم من ملأ فرعون، فكان لهم كما سنرى ذلك قرارهم الخطير بشأنه!

يفهم من خلال القرائن أنّ أولئك المعاندين والمغرورين لم يسكتوا حيال كلام هذا الرجل الشجاع المؤمن، وإنّما قاموا بطرح «مزايا» الشرك في مقابل كلامه، ودعوه كذلك إلى عبادة الأصنام.

لذا فقد صرخ قائلا: (و يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة و تدعونني إلى النّار).

إنني أطلب سعادتكم وأنتم تطلبون شقائي؛ إنني أهديكم إلى الطريق الواضح الهادي وأنتم تدعونني إلى الانحراف والضلال!