اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَيَٰقَوۡمِ مَا لِيٓ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِيٓ إِلَى ٱلنَّارِ} (41)

قوله تعالى : { وياقوم مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة وتدعونني إِلَى النار } . قوله تعالى : { وياقوم } قال الزمخشري : فَإن قُلْتَ : لِمَ جاء بالواو في النداء الثالث دون الثاني ؟

قلت : لأن الثانيَ داخل على كلام هو بيان للمجمل ، وتفسير له ، فأعطي الداخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو . وأما الثالث فداخلٌ على كلام ليس بتلك المَثَابَةِ ، أي كلام مباين للأول والثاني ، فَحَسُنَ إيرادُ الواو العاطفة فيه{[48248]} . وكرر النداء لأن فيه زيادةَ تنبيه له وإيقاضاً من سنة الغفلة ، وأظهر أن له بهذا مزيدَ اهتمامٍ ، وعلى أُولئك الأقوام فرط شفقة .

قوله : { وتدعونني إِلَى النار } هذه الجملة مستأنفة ، أخبر عنهم بذلك بعد استفهام عن دعاء نفسه ويجوز أن يكون التقدير : وما لكم تدعونني إلى النار ، وهو الظاهر ، ويضعف أن تكون الجملة حالاً ، أي مالكم أدعوكم إلى النجاة حال دعائكم إياي إلَى النار{[48249]} .

قوله : «تَدْعُونني » هذه الجملة بدل من «تَدْعُونَنِي » الأولى على جهة البيان لها{[48250]} . وأتى في قوله «تَدْعُونَنِي » بجملة فعلية ؛ ليدل على أن دعوتهم باطلة لا ثبوت لها ، وفي قوله : «وَأَنَا أَدْعُوكُمْ » بجملة إسميَّة ؛ ليدل على ثُبُوتِ دعوته وتَقْوِيَتِهَا{[48251]} .

فصل

معنى قوله : «مَالَكُمْ » كقولك : ما لي أراك حزيناً ، أي مالك ، يقول : أخبروني عنك ، كيف هَذِهِ الحال ؟ أدعوكم إلى النجاة من النار بالإيمان بالله ، وتدعونني إلى النار بالشرك الذي يُوجِبُ النار ،


[48248]:الكشاف 3/429.
[48249]:قال بهذه الإعرابات السمين في الدر المصون 4/698.
[48250]:قاله العكبري في التبيان 1120.
[48251]:بالمعنى من البحر المحيط 7/467، وباللفظ من الدر المصون 4/698.