التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (23)

{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين } أى قال فرعون لموسى : أى شىء رب العالمين الذى أنت وأخوك جئتما لتبلغا رسالته لى ، وما صفته ؟

وهذا السؤال يدل على طغيان فرعون - قبحه الله - وتجاوزه كل حد فى الفجور ، فإن هذا السؤال يحمل فى طياته استنكار أن يكون هناك إله سواه ، كما حكى عنه القرآن فى آية أخرى قوله : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي . . } فهو ينكر رسالة موسى - عليه السلام - من أساسها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (23)

10

عندئذ عدل فرعون عن هذه المسألة ، وراح يسأله عن صميم دعواه . ولكن في تجاهل وهزء وسوء أدب في حق الله الكريم :

( قال فرعون : وما رب العالمين ? ) . .

إنه - قبحه الله - يسأل : أي شيء يكون رب العالمين الذي تقول : إنك من عنده رسول ? وهو سؤال المتنكر للقول من أساسه ، المتهكم على القول والقائل ، المستغرب للمسألة كلها حتى ليراها غير ممكنة التصور ، غير قابلة لأن تكون موضوع حديث !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (23)

يقول تعالى مخبرًا عن كفر فرعون ، وتمرده وطغيانه وجحوده ، في قوله : { وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ } ؟ وذلك أنه كان يقول لقومه : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] ، { فَاسْتَخَفَّ{[21703]} قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } [ الزخرف : 54 ] ، وكانوا يجحدون الصانع - تعالى - ويعتقدون أنه لا رب لهم سوى فرعون ، فلما قال له موسى : { إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الزخرف : 46 ] ، قال له : ومَنْ هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري ؟ هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف ، حتى قال السدي : هذه الآية كقوله تعالى : { قَالَ فَمَنْ{[21704]} رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [ طه : 49 ، 50 ] .

ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم ؛ أن هذا سؤال عن الماهية ، فقد غلط ؛ فإنه لم يكن مقرًا بالصانع حتى يسأل عن الماهية{[21705]} ، بل كان جاحدًا له بالكلية فيما يظهر ، وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت عليه ،


[21703]:- في أ : "واستخف".
[21704]:- في ف ، أ : "ومن" وهو خطأ.
[21705]:- في أ : "ماهيته".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (23)

وقول قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبّ الْعالَمينَ يقول : وأيّ شيء ربّ العالمين ؟ قالَ موسى هو رَبّ السّمَوَاتِ والأرْضِ ومالكهنّ وَما بَيْنَهُما يقول : ومالك ما بين السموات والأرض من شيء إنْ كُنْتُمْ مُوقِنينَ يقول : إن كنتم موقنين أن ما تعاينونه كما تعاينونه ، فكذلك فأيقنوا أن ربنا هو ربّ السموات والأرض وما بينهما .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (23)

ولما لم يجد فرعون في هذا الطريق من تقريره على التنزيه وغير ذلك حجة رجع إلى معارضة موسى في قوله «رسول رب العالمين » فاستفهمه استفهاماً عن مجهور من الأشياء قال مكي كما يستفهم عن الأجناس ، فلذلك استفهم ب { ما } وقد ورد له استفهام ب { من } في موضع آخر{[4]} ، ويشبه أنها مواطن .


[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (23)

لما لم يَرُجْ تهويله على موسى عليه السلام وعلم أنه غير مقلع عن دعوته تنفيذاً لما أمره الله ثنّى عنان جداله إلى تلك الدعوة فاستفهم عن حقيقة ربّ العالمين الذي ذكر موسى وهارون أنهما مُرسَلان منه إذ قالا : { إنا رسولُ ربّ العالمين } [ الشعراء : 16 ] وإظهار اسم فرعون مع أن طريقة حكاية المقاولات والمحاورة يكتفى فيها بضمير القائلين بطريقة قال قال ، أو قال فقال ، فعدل عن تلك الطريقة إلى إظهار اسمه لإيضاح صاحب هذه المقالة لبعد ما بين قوله هذا وقوله الآخر .

والواو عاطفة هذا الاستفهام على الاستفهام الأول الذي وقع كلام موسى فاصلاً بينه وبين ما عطف عليه .

وحرف { ما } الغالب فيه أن يكون للسؤال عن حقيقة الاسم بعده التي تميزه عن غيره ، ولذلك يسأل بها عن تعيين القبيلة ، ففي حديث الوفود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : « مَا أنتم » ، ففرعون سأل موسى عليه السلام تبيين حقيقة هذا الذي وصفه بأنه { رب العالمين } [ الشعراء : 16 ] ، فقد كانت عقائد القبط تثبت آلهة متفرقة قد اقتسمت التصرف في عناصر هذا العالم وأجناس الموجودات ، وتلك العناصر هي العالمون ولا يدينون بإله واحد ، فإنّ تعدد الآلهة المتصرفة ينافي وحدانية التصرف ، فلما سمع فرعون من كلام موسى إثبات ربّ العالمين قَرع سمعه بما لم يألفه من قبل لاقتضائه إثبات إله واحد وانتفاء الإلهية عن الآلهة المعروفة عندهم ، على أنهم كانوا يزعمون أن فرعون هو المجتبَى من الآلهة ليكون مَلِكَ مصر . فهو مظهر الآلهة الأخرى في تدبير المملكة { قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي } [ الزخرف : 51 ] . وبهذا الانتساب إلى الآلهة وتمثيله إرادتهم في الأرض كان فرعون يُدعَى إلهاً .

وقد كانت الأمم يومئذ في غفلة عما عدا أنفسها فكانوا لا يفكرون في مختلف أحوال الأمم وعوائد البشر . ولا تشعر كل أمة إلا بنفسها وخصائصها من آلهتها وملوكها فكان المَلِك لا يُشيع في أمته غيرَ قوته وانتصاره على الثائرين ، ويخيل للناس أن العالم منحصر في تلك الرقعة من الأرض . فلا تجد في آثار القبط صوراً للأمم غير صور القبائل الذين يغزوهم فرعون ويأتي بأسراهم في الأغلال والسلاسل خاضعين عابدين حتى يخيّل لقومه أنه لما غلب أولئك فقد كان قهارَ البشر كلهم ، ويُخفي أخبار انكساره إلا إذا لحقه غلب عظيم من أمة كبرى بحيث لا يستطيع إخفاءه ، فحينئذ ينتقل أسلوب التاريخ عندهم وتنتَحِل الدولةُ الجديدة أساليبَ الدولة الماضية وتنسى حوادث الماضي وتغلب على مخيلاتهم الحالة الحاضرة ، وللدعاة والمروجين أثر كبير في ذلك . وبهذا يتضح باعث فرعون على هذا السؤال الذي ألقاه على موسى ، وهو استفهام مشوب بتعجب وإنكار على طريق الكناية .

ومن دقائق هذه المجادلة أن الاستفسار مقدَّم في المناظرات ، ولذلك ابتدأ فرعون بالسؤال عن حقيقة الذي أرسلَ موسى عليه السلام .