الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (23)

لما قال له بوّابه إن ههنا من يزعم أنه رسول رب العالمين قال له عند دخوله : { وَمَا رَبُّ العالمين } يريد : أي شيء رب العالمين . وهذا السؤال لا يخلو : إما أن يريد به أي شيء هو من الأشياء التي شوهدت وعرفت أجناسها ، فأجاب بما يستدل به عليه من أفعاله الخاصة ، ليعرّفه أنه ليس بشيء مما شوهد وعرف من الأجرام والأعراض ، وأنه شيء مخالف لجميع الأشياء ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } [ الشورى : 11 ] وإما أن يريد به : أي شيء هو على الإطلاق ، تفتيشاً عن حقيقته الخاصة ما هي ، فأجابه بأنّ الذي إليه سبيل وهو الكافي في معرفته معرفة ثباته بصفاته ، استدلالاً بأفعاله الخاصة على ذلك . وأمّا التفتيش عن حقيقته الخاصة التي هي فوق فطر العقول ، فتفتيش عما لا سبيل إليه ، والسائل عنه متعنت غير طالب للحق . والذي يليق بحال فرعون ويدل عليه الكلام : أن يكون سؤاله هذا إنكاراً لأن يكون للعالمين رب سواه لادعائه الإلهية ، فلما أجاب موسى بما أجاب ، عجب قومه من جوابه حيث نسب الربوبية إلى غيره ، فلما ثنى بتقرير قوله ، جننه إلى قومه وطنز به ، حيث سماه رسولهم . فلما ثلث بتقرير آخر : احتدّ واحتدم وقال : لئن اتخذت إلها غيري . وهذا يدل على صحة هذا الوجه الأخير .