نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (23)

ولما كان سببها ظلمه لقومه ، جعله نفسها فقال مبدلاً منها تنبيهاً على إحباطها ، وإعلاماً بأنها - بكونها نقمة - أولى منها في عدها نعمة : { أن عبدت } أي تعبيدك وتذليلك على ذلك الوجه البديع المبعد قومي { بني إسرائيل* } أي جعلتهم عبيداً ظلماً وعدواناً وهم أبناء الأنبياء ، ولسلفهم يوسف عليه السلام عليكم من المنة - بإحياء نفوسكم أولاً ، وعتق رقابكم ثانياً - ما لا تقدرون له على جزاء أصلاً ، ثم ما كفاك ذلك حتى فعلت ما لم يفعله مستعبد ، فأمرت بقتل أبنائهم ، فكان ذلك سبب وقوعي إليك لأسلم من ظلمك - كما مر بيانه ويأتي إن شاء الله تعالى مستوفى في سورة القصص .

ولما كلم اللئيم الذميم الكليم العظيم بما رجا أن يكفه عن مواجهته بما يكره ، ويرجعه إلى مداراته . فلم يفعل ، وفهم ما في جوابه هذا الأخير من الذم له والتعجيز ، وإثبات القدرة التامة والعلم الشامل لله ، بما دبر في أمر موسى عليه السلام ، وأنه لا ينهض لذلك بجواب ولا يحمد له فيه قول ، عدل عنه إلى جوابه عن الرسالة بما يموه به أيضاً على قومه لئلا يرجعوا عنه ، فأخبر تعالى عن محاورته في ذلك بقوله على طريق الجواب لمن كأنه قال : ما قال له جواباً لهذا الكلام ، الذي كأنه السهام ؟ : { قال فرعون } حائداً عن جواب موسى عليه السلام لما فيه من تأنيبه وتعجيزه . منكراً لخالقه على سبيل التجاهل ، كما أنكر هؤلاء الرحمن متجاهلين وهم أعرف الناس بغالب أفعاله ، كما كان فرعون يعرف ، لقول موسى عليه السلام{ لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض }[ الإسراء : 102 ] : { وما رب العالمين* } أي الذي زعمت أنكما رسوله . فسأل ب " ما " عن حقيقته وإنما أراد في الحقيقة إنكاره .