ثم مدح الله - تعالى - موسى - عليه السلام - وهو واحد من أولى العزم من الرسل ، وينتهى نسبه إلى إبراهيم - عليه السلام - فقال - تعالى - : { واذكر .
لفظ { مُخْلِصاً } فيه قراءتان سبعيتان ، إحداهما بفتح اللام - بصيغة اسم المفعول - أى : أخلصه الله - تعالى - لذاته ، واصطفاه ، كما قال - تعالى - : { قَالَ ياموسى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي . . . } والثانية بكسر اللام - بصيغة اسم الفاعل - أى : كان مخلصاً لنا فى عبادته وطاعته .
والمعنى : واذكر - أيها الرسول الكريم - للناس خبر أخيك موسى - عليه السلام - إنه كان من الذين أخلصناهم واصطفيناهم لحمل رسالتنا ، وكان من الذين أخلصوا لنا وحدنا العبادة والطاعة ، وكان - أيضاً - { رَسُولاً } من جهتنا لتبليغ ما أمرناه بتبليغه ، وكان كذلك { نَّبِيّاً } رفيع القدر ، عالى المكانة والمنزلة ، فقد جمع الله - تعالى - له بين هاتين الصفتين الساميتين صفة الرسالة وصفة النبوة .
ثم يمضي السياق مع ذرية إبراهيم : مستطردا مع فرع إسحق فيذكر موسى وهارون :
( واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا . وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا . ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ) . .
فيصف موسى بأنه كان مخلصا استخلصه الله له ومحضه لدعوته . وكان رسولا نبيا . والرسول هو صاحب الدعوة من الأنبياء المأمور بإبلاغها للناس . والنبي لا يكلف إبلاغ الناس دعوة إنما هو في ذاته صاحب عقيدة يتلقاها من الله . وكان في بني إسرائيل أنبياء كثيرون وظيفتهم القيام على دعوة موسى والحكم بالتوراة التي جاء بها من عند الله : ( يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا . والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ) . .
لما ذكر تعالى إبراهيم الخليل وأثنى عليه ، عطف بذكر الكليم ، فقال : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا } قرأ بعضهم بكسر اللام ، من الإخلاص في العبادة .
قال الثوري{[18872]} ، عن عبد العزيز بن رُفَيع{[18873]} ، عن أبي لبابة{[18874]} قال : قال الحواريون : يا روح الله ، أخبرنا عن المخلص لله . قال : الذي يعمل لله ، لا يحب أن يحمده الناس .
وقرأ الآخرون{[18875]} بفتحها ، بمعنى أنه كان مصطفى ، كما قال تعالى : { إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ } [ الأعراف : 144 ] .
{ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا } ، جُمِع له بين الوصفين ، فإنه كان من المرسلين الكبار أولي{[18876]} العزم الخمسة ، وهم : نوح وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر الأنبياء أجمعين .
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىَ إِنّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد في كتابنا الذي أنزلناه إليك موسى بن عمران ، واقصص على قومك أنه كان مخلصا .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : «إنّهُ كانَ مُخْلِصا » بكسر اللام من المُخْلِص ، بمعنى : إنه كان يخلص لله العبادة ، ويفرده بالألوهة ، من غير أن يجعل له فيها شريكا . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة خلا عاصم : إنّهُ كانَ مُخْلَصا بفتح اللام من مُخْلَص ، بمعنى : إن موسى كان الله قد أخلصه واصطفاه لرسالته ، وجعله نبيا مرسلاً .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي : أنه كان صلى الله عليه وسلم مُخْلِصا عبادة الله ، مُخْلَصا للرسالة والنبوّة ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب .
وكانَ رَسُولاً يقول : وكان لله رسولاً إلى قومه بني إسرائيل ، ومن أرسله إليه نبيا .
أفضت مناسبة ذكر إبراهيم ويعقوب إلى أن يذكر موسى في هذا الموضع لأنه أشرف نبي من ذرية إسحاق ويعقوب .
والقول في جملة { واذكر } وجملة { إنه كان } كالقول في نظيريهما في ذكر إبراهيم عدا أن الجملة هنا غير معترضة بل مجرد استئناف .
وقرأ الجمهور مخلصاً بكسر اللام من أخلص القاصر إذا كان الإخلاص صفته . والإخلاص في أمر ما : الإتيانُ به غير مشوب بتقصير ولا تفريط ولا هوادة ، مشتق من الخلوص ، وهو التمحض وعدم الخلط . والمراد هنا : الإخلاص فيما هو شأنه ، وهو الرسالة بقرينة المقام .
وقرأه حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف بفتح اللام من أخلصه ، إذا اصطفاه .
وخُص موسى بعنوان ( المخلص ) على الوجهين لأن ذلك مزيته ، فإنه أخلص في الدعوة إلى الله فاستخف بأعظم جبار وهو فرعون ، وجادله مجادلة الأكفاء ، كما حكى الله عنه في قوله تعالى في سورة الشعراء ( 18 ، 19 ) : { قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } إلى قوله : قال أولو جئتك بشيء مبين . وكذلك ما حكاه الله عنه بقوله : { قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين } [ القصص : 17 ] ، فكان الإخلاص في أداء أمانة الله تعالى ميزته . ولأن الله اصطفاه لكلامه مباشرة قبل أن يرسل إليه المَلك بالوحي ، فكان مخلَصاً بذلك ، أي مصطفى ، لأن ذلك مزيته قال تعالى { واصطنعتك لنفسي } [ طه : 41 ] .
والجمع بين وصف موسى لأنه رسول ونبيء . وعطف { نبيئاً } على { رسولاً } مع أن الرسول بالمعنى الشرعي أخص من النبي ، فلأن الرسول هو المرسلَ بوحي من الله ليبلغ إلى الناس فلا يكون الرسول إلا نبيئاً ، وأما النبي فهو المنبّأ بوحي من الله وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإذا لم يؤمر بالتبليغ فهو نبيء وليس رسولاً ، فالجمع بينهما هنا لتأكيد الوصف ، إشارة إلى أن رسالته بلغت مبلغاً قوياً ، فقوله نبيئاً تأكيد لوصف رسولاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.