التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

وقوله - سبحانه - : { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا . . } من تمام المثل الذى ضربه الله - تعالى - للمنافقين واليهود . .

أى : فكان عاقبة ذلك الشيطان وذلك الإنسان ، أنهما فى النار ، حالة كونهما خالدين فيها خلودا أبديا ، وكذلك حال المنافقين واليهود . .

{ وَذَلِكَ } الخلود فى النار { جَزَآءُ الظالمين } الذين تجاوزوا حدود الله - تعالى - وحاربوا أولياءه - سبحانه - .

والمراد بالشيطان والإنسان جنسهما ، وقد ذكر بعضهم هنا قصصا تدل على أن المراد بالإنسان شخص معين ، وقد أضربنا عنها صفحا لضعفها . .

وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد ذمت المنافقين واليهود ذما شنيعا ، وأضعفت من شأنهم ، وساقت لهم من الأمثلة ما يجعل المؤمنين يستخفون بهم ، ويجاهدونهم بغلظة وشدة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

ويضرب للمنافقين الذين أغروا إخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب بالمقاومة ، فانتهوا بهم إلى تلك النهاية البائسة . يضرب لهم مثلا بحال دائمة . حال الشيطان مع الإنسان ، الذي يستجيب لإغرائه فينتهي وإياه إلى شر مصير :

( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان : اكفر . فلما كفر قال : إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين ) . .

وصورة الشيطان هنا ودوره مع من يستجيب له من بني الإنسان ، تتفقان مع طبيعته ومهمته . فأعجب العجب أن يستمع إليه الإنسان . وحاله هو هذا الحال !

وهي حقيقة دائمة ينتقل السياق القرآني إليها من تلك الواقعة العارضة . فيربط بين الحادث المفرد والحقيقة الكلية ، في مجال حي من الواقع ؛ ولا ينعزل بالحقائق المجردة في الذهن . فالحقائق المجردة الباردة لا تؤثر في المشاعر ، ولا تستجيش القلوب للاستجابة . وهذا فرق ما بين منهج القرآن في خطاب القلوب ، ومنهج الفلاسفة والدارسين والباحثين !

وبهذا المثل الموحي تنتهي قصة بني النضير . وقد ضمت في ثناياها وفي أعقابها هذا الحشد من الصور والحقائق والتوجيهات . واتصلت أحداثها المحلية الواقعة بالحقائق الكبرى المجردة الدائمة . وكانت رحلة في عالم الواقع وفي عالم الضمير ، تمتد إلى أبعد من حدود الحادث ذاته ، وتفترق روايتها في كتاب الله عن روايتها في كتب البشر بمقدار ما بين صنع الله وصنع البشر من فوارق لا تقاس ! !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنّهُمَا فِي النّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الظّالِمِينَ * يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مّا قَدّمَتْ لِغَدٍ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فكان عُقبى أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه ، فكفر بالله أنهما خالدان في النار ماكثان فيها أبدا وَذَلكَ جَزَاءُ الظّالِمِينَ يقول : وذلك ثواب اليهود من النضير والمنافقين الذين وعدوهم النصرة ، وكلّ كافر بالله ظالم لنفسه على كفره به أنهم في النار مخلّدون .

واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : خالِدَيْنِ فِيها فقال بعض نحويي البصرة : نصب على الحال ، وفي النار خبر قال : ولو كان في الكلام لكان الرفع أجود في «خالدين » قال : وليس قولهم : إذا جئت مرّتين فهو نصب لشيء ، إنما فيها توكيد جئت بها أو لم تجىء بها فهو سواء ، إلا أن العرب كثيرا ما تجعله حالاً إذا كان فيها للتوكيد وما أشبهه في غير مكان قال : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنّمَ خالِدِينَ فِيها . وقال بعض نحويي الكوفة : في قراءة عبد الله بن مسعود : «فَكَانَ عاقِبَتَهُمَا أنّهُما في النّارِ خالِدَيْنِ في النّارِ » قال : وفي أنهما في النار خالدين فيها نصب قال : ولا أشتهي الرفع وإن كان يجوز ، فإذا رأيت الفعل بين صفتين قد عادت إحداهما على موضع الأخرى نصبت ، فهذا من ذلك قال : ومثله في الكلام قولك : مررت برجل على نابِه متحملاً به ومثله قول الشاعر :

والزّعْفَرَانُ عَلى تَرائِبها *** شَرِقا بِهِ اللّبّاتُ والنّحْرُ

لأن الترائب هي اللبات ها هنا ، فعادت الصفة باسمها الذي وقعت عليه ، فإذا اختلفت الصفتان جاز الرفع والنصب على حُسْن ، من ذلك قولك : عبد الله في الدار راغب فيك ، ألا ترى أن «في » التي في الدار مخالفة لفي التي تكون في الرغبة قال : والحجة ما يُعرف به النصف من الرفع أن لا ترى الصفة الاَخرة تتقدم قبل الأولى ألا ترى أنك تقول : هذا أخوك في يده درهم قابضا عليه ، فلو قلت : هذا أخوك قابضا عليه في يده درهم لم يجز ، إلا ترى أنك تقول : هذا رجل قائم إلى زيد في يده درهم ، فهذا يدل على أن المنصوب إذا امتنع تقديم الاَخر ، ويدل على الرفع إذا سهل تقديم الاَخر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

وقوله تعالى : { فكان عاقبتهما } الآية ، يحتمل الضمير أن يعود على المخصوصين المذكورين ، ويحتمل أن يعود على اسمي الجنس أي هذا هو عاقبة كل شيطان وإنسان يكون أمرهما هكذا ، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : «عاقبتُهما » بالرفع ، وقرأ جمهور الناس : «عاقبتَهما » بالنصب وموضع أن يخالف إعراب المعاقبة في القراءتين إن شاء الله تعالى ، وقرأ الأعمش وابن مسعود : «خالدان » بالرفع على أنه خبر «أن » ، والظرف ملغى ، ويلحق هذه الآية من الاعتراض إلغاء الظرف مرتين قاله الفراء ، وذلك جائز عند سيبويه على التأكيد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (17)

وقول : { فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها } من تمام المثل . أي كان عاقبة الممثل بهما خسرانهما معاً . وكذلك تكون عاقبة الفريقين الممثلين أنهما خائبان فيما دبّرا وكادا للمسلمين .

وجملة { وذلك جزاء الظالمين } تذييل ، والإِشارة إلى ما يدل عليه { فكان عاقبتهما أنهما في النار } من معنى ، فكانت عاقبتهما سوأى والعاقبة السّوأى جزاء جميع الظّالمين المعتدين على الله والمسلمين ، فكما كانت عاقبة الكافر وشيطانه عاقبة سوء كذلك تكون عاقبة الممثلين بهما وقد اشتركا في ظلم أهل الخير والهدى .