التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا} (6)

ثم أشار - سبحانه - إلى الفائدة الثالثة من هذا الإِخبار ، وهى أن الأمم المغلوبة على أمرها . تستطيع أن تسترد مجدها ، متى أصلحت من شأن أنفسها ، ومتى استقامت على أمر الله - تعالى - فقال - سبحانه - : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } .

ففى هذه الآية الكريمة تذكير لبنى إسرائيل بجملة من نعم الله عليهم ، بعد أن أصابهم ما أصابهم من أعدائهم .

أما النعمة الأولى فقد عبر عنها - سبحانه - بقوله : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ } .

والكَرَّة : المرة من الشئ : وأصلها من الكَرِّ وهو الرجوع ، مصدر كريكر - من باب قتل - ، يقال : كرَّ الفارس كَرًّا ، إذا فر للجولان ثم عاد للقتال .

والمراد بالكرة هنا : الدولة والغلبة على سبيل المجاز .

أى : ثم أعدنا لكم - يابنى إسرائيل - الدولة والغلبة علىأعدائكم الذين قهروكم وأذلوكم ، بعد أن أحسنتم العمل ، ورجعتم إلى الله - تعالى - واتبعتم ماجاءكم به رسلكم .

والتعبير بثم لإِفادة الفرق الشاسع بين ما كانوا فيه من ذل وهوان ، وما أفاءه الله عليهم بعد ذلك من نصر وظفر .

قال أبو حيان : وجعل - سبحانه - { رددنا } موضع نرد - إذ وقت إخبارهم لم يقع الأمر بعد - لأنه لما كان وعد الله فى غاية الثقة فى كونه سيقع ، عبر عن المستقبل بالماضى .

وأما النعمة الثانية فقد عبر عنها - سبحانه - بقوله : { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } .

أى : لم نكتف بأن جعلنا النصر لكم على أعدائكم ، بل فضلا عن ذلك ، أمددناكم بالكثير من الأموال والأولاد ، بعد أن نهب أعداؤكم أموالكم ، وقتلوا الكثيرين من أبنائكم .

وأما النعمة الثالثة فتتجلى فى قوله - تعالى - : { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } .

والنفير : من ينفر مع الرجل من قومه لنصرته ومؤازرته ، وهو منصوب على التمييز . والمفضل عليه محذوف ، والتقدير : وجعلناكم أكثر عددا وقوة من أعدائكم الذين جاسوا خلال دياركم . .

فمن الواجب عليكم أن تقدروا هذه النعم ، وأن تحسنوا الاستفادة منها ، بأن تشكروا الله - تعالى - وتخلصوا له العبادة والطاعة ، فقد نصركم بعد هزيمتكم ، وأغناكم بعد فقركم ، وكثّركم بعد قتلكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا} (6)

حتى إذا ذاق بنو إسرائيل ويلات الغلب والقهر والذل ؛ فرجعوا إلى ربهم ، وأصلحوا أحوالهم وأفادوا من البلاء المسلط عليهم . وحتى إذا استعلى الفاتحون وغرتهم قوتهم ، فطغوا هم الآخرون وأفسدوا في الأرض ، أدال الله للمغلوبين من الغالبين ، ومكن للمستضعفين من المستكبرين : ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) . .

ثم تتكرر القصة من جديد !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا} (6)

القول في تأويل قوله تعالى { ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } .

يقول تعالى ذكره : ثم أدلناكم يا بني إسرائيل على هؤلاء القوم الذين وصفهم جلّ ثناؤه أنه يبعثهم عليهم ، وكانت تلك الإدالة والكرّة لهم عليهم ، فيما ذكر السديّ في خبره أن بني إسرائيل غزوهم ، وأصابوا منهم ، واستنقذوا ما في أيديهم منهم . وفي قول آخرين : إطلاق الملك الذي غزاهم ما في يديه من أسراهم ، وردّ ما كان أصاب من أموالهم عليهم من غير قتال . وفي قول ابن عباس الذي رواه عطية عنه هي إدالة الله إياهم من عدوّهم جالوت حتى قتلوه ، وقد ذكرنا كلّ ذلك بأسانيده فيما مضى وأمْدَدْناكُمْ بأمْوَالٍ وَبَنِينَ يقول : وزدنا فيما أعطيناكم من الأموال والبنين .

وقوله : وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِيرا يقول : وصيرناكم أكثر عدَدَ نافرٍ منهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قولهوَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِيرا : أي عددا ، وذلك في زمن داود .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِيرا يقول : عددا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ثُمّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرّةَ عَلَيْهِمْ لبني إسرائيل ، بعد أن كانت الهزيمة ، وانصرف الاَخرون عنهم وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِيرا قال : جعلناكم بعد هذا أكثر عددا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر ، عن قتادة ثُمّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرّةَ عَلَيْهِمْ ثم رددت الكرّة لبني إسرائيل .

حدثني محمد بن سنان القزّاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، في قوله : وأمْدَدْناكُمْ بأمْوَال وبَنِينَ قال : أربعة آلاف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا} (6)

وقوله { ثم رددنا لكم الكرة } ، الآية عبارة عما قاله الله لبني إسرائيل في التوراة وجعل { رددنا } موضع نرد إذ وقت إخبارهم لم يقع الأمر بعد لكنه لما كان وعد الله في غاية الثقة أنه يقع عبر عن مستقبله بالماضي ، وهذه الكرة هي بعد الجلوة الأولى لما وصفنا ، فغلبت بنو إسرائيل على بيت المقدس وملكوا فيه ، وحسنت حالهم برهة من الدهر ، وأعطاهم الله الأموال والأولاد ، وجعلهم إذا نفروا إلى أمر أكثر الناس ، قال الطبري معناه وصيرناكم أكثر عدد نافر منهم ، قال قتادة : كانوا { أكثر نفيراً } في زمن داود عليه السلام ، و «نفير » يحتمل أن يكون جمع نفر ككلب وكليب ، وعبد وعبيد ، ويحتمل أن يكون فعيلاً بمعنى فاعل أي وجعلناكم أكثر نافراً .

قال القاضي أبو محمد : وعندي أن النفر اسم لا جمع الذي نفر سمي بالمصدر ، وقد قال تبع الحميري : [ المتقارب ] .

فأكرم بقحطان من والد . . . وحمير أكرم بقوم نفيرا{[7476]}

وقالوا : لا في العير ولا في النفير{[7477]} ، يريدون جمع قريش الخارج من مكة لا بإذن ،


[7476]:تبع الحميري هو حسان بن أسعد أبي كرب الحميري، من أعظم تبابعة اليمن، و (تبع) لقب كان يلقب به الملك الأكبر من ملوك الدولة الحميرية الثانية في اليمن، والمظنون أنه كان في القرن العاشر قبل الهجرة، قيل: إنه هو الذي قضى على قبائل جديس باليمامة، وغزا كثيرا من البلاد، ووصل إلى سمرقند، ودمشق، ومر بمكة، ونفر من عبادة الأصنام. وقد ثار عليه جماعة من قومه فقتلوه. وقحطان: أبو اليمن، وحمير: أبو قبيلة من اليمن، من نسل قحطان، ومنها كانت الملوك في الزمن القديم. وتبع يمدح آباءه وأجداده، والشاهد أن نفيرا اسم للجمع الذي ينفر.
[7477]:وأول من قال هذا المثل هو أبو سفيان بن حرب، وذلك أنه أقبل بالعير التي لقريش عائدا من الشام، فلما علم بخروج المسلمين له ضرب وجوه العير فساحل بها وترك بدرا على يساره، وكانت قريش قد أقبلت من مكة لنجدته، فأرسل إليهم أبو سفيان يخبرهم أنه قد نجا بالعير ويطلب منهم العودة، ولكن القرشيين أبوا الرجوع، ورجعت بنو زهرة فقط، وصادفت أبا سفيان في عودتها من طريق الساحل، فقال أبو سفيان: يا بني زهرة، لا في العير ولا في النفير، قال الأصمعي: يضرب هذا الرجل يحط أمره ويصغر قدره.