جاء الحديث عن المؤمنين ونعيمهم ، فقال - تعالى - : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ . لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ . فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } .
قال الآلوسى : قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } شروع فى رواية حديث أهل الجنة ، وتقديم حكاية أهل النار ، لأنه أدخل فى تهويل الغاشية ، وتفخيم حديثها ، ولأن حكاية حُسْنِ حال أهل الجنة ، بعد حكاية سوء أهل النار ، مما يزيد المحكى حسنا وبهجة . . . وإنما لم تعطف هذه الجملة على تلك الجملة ، إيذانا بكمال التباين بين مضمونهما . .
أى : وجوه كثيرة تكون يوم القيامة ، ذات بهجة وحسن ، وتكون متنعمة فى الجنة بما أعطاها - سبحانه - من خير عميم ، جزاء عملها الصالح فى الدنيا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاعِمَةٌ * لّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ * لاّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَةٌ } .
يقول تعالى ذكره : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ يعني : يوم القيامة ناعِمَةٌ يقول : هي ناعمة بتنعيم الله أهلها في جناته ، وهم أهل الإيمان بالله .
يتبادر في بادىء الرأي أن حق هذه الجملة أن تعطف على جملة { وجوه يومئذٍ خاشعة } [ الغاشية : 2 ] بالواو لأنها مشاركة لها في حكم البيان لحديث الغاشية كما عطفت جملة : { ووجوه يومئذ عليها غبرة } [ عبس : 40 ] على جملة : { وجوه يومئذ مسفرة } في سورة عبس ( 38 ) . فيتجهُ أن يُسأل عن وجه فصلها عن التي قبلها ، ووجه الفصل التنبيه على أن المقصود من الاستفهام في { هل أتاك حديث الغاشية } [ الغاشية : 1 ] الإِعلام بحال المعرَّض بتهديدهم وهم أصحاب الوجوه الخاشعة فلما حصل ذلك الإِعلام بجملة : { وجوه يومئذٍ خاشعة } [ الغاشية : 2 ] إلى آخرها تم المقصود ، فجاءت الجملة بعدها مفصولة لأنها جعلت استئنافاً بيانياً جواباً عن سؤال مقدر تثيره الجملة السابقة فيتساءل السامع : هل من حديث الغاشية ما هو مغاير لهذا الهول ؟ أي ما هو أنس ونعيم لقوم آخرين .
ولهذا النظم صارت هذه الجملة بمنزلة الاستطراد والتتميم ، لإظهار الفرق بين حالي الفريقين ولتعقيب النذارة بالبشارة فموقع هذه الجملة المستأنفة موقع الاعتراض ولا تنافي بين الاستئناف والاعتراض وذلك موجب لفصلها عما قبلها . وفيه جري القرآن على سننه من تعقيب الترهيب والترغيب .
فأما الجملتان اللتان في سورة عبس فلم يتقدمهما إبهام لأنهما متصلتان معاً بالظرف وهو { فإذا جاءت الصاخة } [ عبس : 33 ] .
وقد علم من سياق توجيه الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الوجوه الأولى وجوه المكذبين بالرسول ، والوجوه المذكورة بعدها وجوه المؤمنين المصدقين بما جاء به .
والقول في تنكير { وجوه } ، والمراد بها ، والإِخبار عنها بما بعدها ، كالقول في الآيات التي سبقتها .
و { ناعمة } : خبر عن { وجوه } . يجوز أن يكون مشتقاً من نُعم بضم العين ينعُمُ بضمها الذي مصدره نعومة وهي اللين وبهجة المرأى وحسن المنظر .
ويجوز أن يكون مشتقاً من نَعِم بكسر العين ينعَم مثل حَذِرَ ، إذا كان ذا نعمة ، أي حسن العيش والترف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.