وقوله : { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } : نافية والضمير فى " عليه " يعود على الله - عز وجل - والجار والمجرور متعلق { بفاتنين } والمراد بالفتن : هنا الإِفساد ، من قولهم : فلا نفتن على فلان خادمة . إذا أفسده . وجملة { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } خبر إن .
و { صال } - بكسر اللام - اسم فاعل منقوص - كقاض - مضاف إلى ما بعده . وحذفت ياؤه لالتقاء الساكنين .
والمعنى : إذا أدركتم - أيها المشركون - ما قلناه لكم . فثقوا أنكم أنتم وآلهتكم لن تستطيعوا أن تضلوا أحدا هداه الله - تعالى - لكنكم تستطيعون أن تضلوا من كان من أهل الجحيم مثلكم .
فالمقصود بهذه الآيات الكريمة ، الاستخفاف بالمشركين وبآلهتهم ، وبيان أن من هداه الله ، تعالى - لا سلطان لهم عليه فى إغوائه أو إضلاله .
قال صاحب الكشاف : والضمير فى " عليه " لله - تعالى - ومعناه : فإنكم ومعبوديكم ما أنتم وهم جميعا بفاتنين على الله ، إلا أصحاب النار الذين سبق فى علمه أنهم لسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها .
فإن قلت : كيف يتفنونهم على الله ؟ قلت : يفسدونهم عليه بإغوائهم واستهوائهم .
من قولك : فتن فلان على فلان امرأته ، كما تقول : أفسدها وخيبها عليه . .
ثم يتوجه الخطاب إلى المشركين وما يعبدون من آلهة مزعومة ، وما هم عليه من عقائد منحرفة . يتوجه الخطاب إليهم ، من الملائكة كما يبدو من التعبير :
( فإنكم وما تعبدون ، ما أنتم عليه بفاتنين ، إلا من هو صال الجحيم . وما منا إلا له مقام معلوم . وإنا لنحن الصافون . وإنا لنحن المسبحون ) .
أي إنكم وما تعبدون لا تفتنون على الله ولا تضلون من عباده إلا من هو محسوب من أهل الجحيم ، الذين قدر عليهم أن يصلوها . وما أنتم بقادرين على فتنة قلب مؤمن الفطرة محسوب من الطائعين . فللجحيم وقود من نوع معروف ، طبيعته تؤهله أن يستجيب للفتنة ؛ ويستمع للفاتنين .
يقول تعالى ذكره : فإنّكُمْ أيها المشركون بالله وَما تَعْبُدُونَ من الاَلهة والأوثان ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ يقول : ما أنتم على ما تعبدون من دون الله بفاتنين : أي بمضِلّينَ أحدا إلاّ مَنْ هُوَ صالِ الجَحِيمِ يقول : إلا أحدا سبق في علمي أنه صال الجحيم .
وقد قيل : إن معنى عَلَيْهِ في قوله : { ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ } بمعنى به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { فإنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بفاتِنِينَ } يقول : لا تضلون أنتم ، ولا أضلّ منكم إلا من قد قضيت أنه صالِ الجحيم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِيمِ } يقول : ما أنتم بفاتنِين على أوثانكم أحدا ، إلا من قد سبق له أنه صالِ الجحيم .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن خالد ، قال : قلت للحسن ، قوله : { ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِيمِ } إلا من أوجب الله عليه أن يَصْلى الجحيم .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، قال : سألت الحسن ، عن قول الله : { ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِيمِ } : قال : ما أنتم عليه بمضلّين إلا من كان في علم الله أنه سيصْلَى الجحيم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : { ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بفاتِنِينَ إلا مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِيمِ } : إلا من قدر عليه أنه يَصْلَى الجحيم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن العشرة الذين دخلوا على عمر بن عبد العزيز ، وكانوا متكلمين كلهم ، فتكلموا ، ثم إن عمر بن عبد العزيز تكلم بشيء ، فظننا أنه تكلم بشيء ردّ به ما كان في أيدينا ، فقال لنا : هل تعرفون تفسير هذه الاَية : { فإنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بفاتِنينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِيمِ } قال : إنكم والاَلهة التي تعبدونها لستم بالذي تفتنون عليها إلا من قَضَيْت عليه أنه يصلى الجحيم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِيمِ قال : ما أنتم بمضلين إلا من كتب عليه أنه يصلى الجحيم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { فإنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ } حتى بلغ : { صالِ الجَحِيمِ } يقول : ما أنتم بمضلين أحدا من عبادي بباطلكم هذا ، إلا من تولاّكم بعمل النار .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بفاتِنِينَ بمضلين إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِيمِ إلا من كتب الله أنه يصلى الجحيم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالٍ الجَحِيمٍ } يقول : لا تضلون بآلهتكم أحدا إلا من سبقت له الشقاوة ، ومن هو صال الجحيم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فإنّكُمْ وَما تَعْبُدونَ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بفاتِنِينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الجَحِيمِ يقول : لا تفتنون به أحدا ، ولا تضلونه ، إلا من قضى الله أنه صال الجحيم ، إلا من قد قضى أنه من أهل النار .
وقيل : بفاتِنِينَ من فتنت أفتن ، وذلك لغة أهل الحجاز ، وأما أهل نجد فإنهم يقولون : أفتنته فأنا أفتنه . وقد ذُكر عن الحسن أنه قرأ : «إلاّ مَنْ هُوَ صَالُ الجَحِيمِ » برفع اللام من «صال » ، فإن كان أراد بذلك الجمع كما قال الشاعر :
إذَا ما حاتِمٌ وُجِدَ ابْنَ عَمّي *** مَجْدَنا مِنْ تَكَلّمُ أجْمَعِينا
فقال : أجمعينا ، ولم يقل : تكلموا ، وكما يقال في الرجال : من هو إخوتك ، يذهب بهو إلى الاسم المجهول ويخرج فعله على الجمع ، فذلك وجه وإن كان غيره أفصح منه وإن كان أراد بذلك واحدا فهو عند أهل العربية لحن ، لأنه لحن عندهم أن يقال : هذا رامٌ وقاضٌ ، إلا أن يكون سمع في ذلك من العرب لغة مقلوبة ، مثل قولهم : شاكُ السلاح ، وشاكي السلاح ، وعاث وعثا وعاق وعقا ، فيكون لغة ، ولم أسمع أحدا يذكر سماع ذلك من العرب .
{ إلا من هو صال الجحيم } : إلا من سبق في علمه أنه من أهل النار ويصلاها لا محالة ، { وأنتم } ضمير لهم ولآلهتهم غلب فيه المخاطب على الغائب ، ويجوز أن يكون { وما تعبدون } لما فيه من معنى المقارنة سادا مسد الخبر أي إنكم وآلهتكم قرناء لا تزالون تعبدونها ، ما أنتم على ما تعبدونه بفاتنين بباعثين على طريق الفتنة إلا ضالا مستوجبا للنار مثلكم ، وقرئ { صال } بالضم على أنه جمع محمول على معنى من ساقط واوه لالتقاء الساكنين ، أو تخفيف صائل على القلب كشاك في شائك ، أو المحذوف منه كالمنسي كما في قولهم : ما باليت به بالة ، فإن أصلها بالية كعافية .
وقرأ الجمهور «صالِ الجحيم » بكسر اللام ، من صال حذفت الياء للإضافة ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «صالُ الجحيم » بضم اللام وللنحاة في معناه اضطراب ، أقواه أنه صالون حذفت النون للإضافة ، ثم حذفت الواو للالتقاء وخرج لفظ الجميع بعد لفظ الإفراد ، فهو كما قال { ومنهم من يستمعون إليك } [ يونس : 42 ] لما كانت «من » و «هو » من الأسماء التي فيها إبهام ويكنى بها عن أفراد وجمع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.