وقوله - سبحانه - : { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ . .
بيان لما قاله إخوة يوسف فيما بينهم ، قبل أن ينفذوا جريمتهم .
و " إذ " ظرف متعلق بالفعل " كان " في قوله - سبحانه - قبل ذلك : { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ . . } .
واللام في قوله { ليوسف } لتأكيد أن زيادة محبة أبيهم ليوسف وأخيه ، أمر ثابت ، لا يقبل التردد أو التشكك .
والمراد بأخيه : أخوه من أبيه وأمه وهو " بنيامين " وكان أصغر من يوسف - عليه السلام - أما بقيتهم فكانوا إخوة له من أبيه فقط .
ولم يذكروه باسمه ، للاشعار بأن محبة يعقوب له ، من أسبابها كونه شقيقا ليوسف ، ولذا كان حسدهم ليوسف أشد .
وجملة " نحن عصبة " حالية . والعصبة كلمة تطلق على ما بين العشرة إلى الأربعين من الرجال ، وهى مأخوذة من العصب بمعنى الشد ، لأن كلا من أفرادها يشد الآخر ويقويه ويعضده ، أو لأن الأمور تعصب بهم . أى تشتد وتقوى .
أى : قال إخوة يوسف وهم يتشاورون في المكر به : ليوسف وأخوه " بنيامين " أحب إلى قلب أبينا منا ، مع أننا نحن جماعة من الرجال الأقوياء الذين عندهم القدرة على خدمته ومنفعته والدفاع عنه دون يوسف وأخيه .
وقولهم - كما حكى القرآن عنهم - : { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } تذييل قصدوا به درء الخطأ عن أنفسهم فيما سيفعلونه بيوسف وإلقائه على أبيه الذي فرق بينهم - في زعمهم - في المعاملة .
والمراد بالضلال هنا : عدم وضع الأمور المتعلقة بالأبناء في موضعها الصحيح ، وليس المراد به الضلال في العقيدة والدين .
أى : إن أبانا لفى خطأ ظاهر ، حيث فضل في المحبة صبيين صغيرين على مجموعة من الرجال الأشداء النافعين له القادرين على خدمته .
قال القرطبى : لم يريدوا بقولهم { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } الضلال في الدين إذلو أرادواه لكانوا كفارا ، بل أرادوا : إن أبانا لفى ذهاب عن وجه التدبير في إيثاره اثنين على عشرة ، مع استوائهم في الانتساب إليه .
وهذا الحكم منهم على أبيهم ليس في محله ، لأن يعقوب - عليه السلام - كان عنده من أسباب التفضيل ليوسف عليهم ما ليس عندهم .
قال الآلوسى ما ملخصه : يروى أن يعقوب - عليه السلام - كان يوسف أحب إليه لما يرى فيه من المناقب الحميدة ، فلام رأى الرؤيا تضاعفت له المحبة .
وقال بعضهم : إن زيادة حبه ليوسف وأخيه ، صغرهما ، وموت أمهما ، وقد قيل لإِحدى الأمهات : أى بنيك أحب إليك ؟ قالت : الصغير حتى يكبر ، والغائب حتى يقدم ، والمريض حتى يشفى .
ولا لوم على الوالد في تفضيله بعض ولده على بعض في المحبة لمثل ذلك وقد صرح غير واحد أن المحبة ليست مما يدخل تحت وسع البشر . .
ترى حدثهم يوسف عن رؤياه كما يقول كتاب " العهد القديم " ؟ إن السياق هنا يفيد أن لا . فهم يتحدثون عن إيثار يعقوب ليوسف وأخيه عليهم . أخيه الشقيق . ولو كانوا قد علموا برؤياه لجاء ذكرها على ألسنتهم ، ولكانت أدعى إلى أن تلهج ألسنتهم بالحقد عليه . فما خافه يعقوب على يوسف لو قص رؤياه على إخوته قد تم عن طريق آخر ، وهو حقدهم عليه لإيثار أبيهم له . ولم يكن بد أن يتم لأنه حلقة في سلسلة الرواية الكبرى المرسومة ، لتصل بيوسف إلى النهاية المرسومة ، والتي تمهد لها ظروف حياته ، وواقع أسرته ، ومجيئه لأبيه على كبرة . وأصغر الأبناء هم أحب الأبناء ، وبخاصة حين يكون الوالد في سن الكبر . كما كان الحال مع يوسف وأخيه ، وإخوته من أمهات .
( إذ قالوا : ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة ) . .
أي ونحن مجموعة قوية تدفع وتنفع . .
( إن أبانا لفي ضلال مبين ) . .
إذ يؤثر غلاما وصبيا صغيرين على مجموعة الرجال النافعين الدافعين !
القول في تأويل قوله تعالى : { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبّ إِلَىَ أَبِينَا مِنّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } .
يقول تعالى ذكره : لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن شأنهم حين قال إخوة يوسف : { لَيُوسُفُ وأخُوهُ } ، مِنْ أمه ، { أحَبّ إلى أبِينا مِنّا ونَحْنُ عُصْبَةٌ } ، يقولون : ونحن جماعة ذوو عدد أحد عشر رجلاً . والعصبة من الناس : هم عشرة فصاعدا ، قيل : إلى خمسة عشر فصاعدا عشر ، ليس لها واحد من لفظها ، كالنفر ، والرهط . { إنّ أبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } ، يعنون : إن أبانا يعقوب لفي خطأ من فعله في إيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة ، ويعني بالمبين : أنه خطأ ، يبين عن نفسه أنه خطأ لمن تأمله ونظر إليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السديّ : { إذْ قالُوا لَيُوسُفُ وأخُوهُ أحَبّ إلي أبِينا مِنا } ، قال : يعنون : بنيامين . قال : وكانوا عشرة .
قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { إنّ أبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } ، قال : في ضلال من أمرنا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { ونَحْنُ عُصْبَةٌ } ، قال : العصبة : الجماعة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.