السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذۡ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (8)

{ إذ } ، أي : واذكر إذ { قالوا } ، أي : بعض إخوة يوسف لبعض بعد أن بلغتهم الرؤيا وقالوا : ما يرضى أن تسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه { ليوسف وأخوه } ، أي : بنيامين { أحب إلى أبينا منا } اللام لام الابتداء وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة أردوا أنّ زيادة محبته لهما أمر ثابت لا شبهة فيه ، وخبر المبتدأ أحب ووحد ؛ لأن أفعل يستوي فيه الواحد وما فوقه مذكراً كان أو مؤنثاً إذا لم يعرّف أو لم يضف ، وقيل : اللام لام قسم تقديره والله ليوسف ، وإنما قالوا : وأخوه وهم جميعاً إخوته ؛ لأنّ أمّهما كانت واحدة ، والواو في قولهم : { ونحن عصبة } واو الحال ، أي : يفضلهما في المحبة علينا وهما اثنان صغيران لا كفاية فيهما ولا منفعة ، ونحن جماعة أقوياء نقوم بمرافقه فنحن أحق بزيادة المحبة منهما لفضلنا بالكثرة والمنفعة عليهما ، والعصبة والعصابة العشرة فما فوقها . وقيل : إلى الأربعين سموا بذلك ؛ لأنهم جماعة تعصب بهم الأمور ويستكفى بهم النوائب { إنّ أبانا لفي ضلال } ، أي : خطأ { مبين } ، أي : بيّن في إيثاره حب يوسف وأخيه علينا والقرب المقتضي للحب في كلنا واحد ؛ لأنّا في البنوّة سواء ولنا مزية تقتضي تفضيلنا وهي إنا عصبة لنا من النفع له والذّب عنه والكفاية ما ليس لهما .

تنبيه : هاهنا سؤالات : الأوّل : إنّ من المعلوم أنّ تفضيل بعض الأولاد على بعض يورث الحقد والحسد فلم أقدم يعقوب عليه السلام على ذلك ؟ أجيب : بأنه إنما فضلهما في المحبة والمحبة ليست في وسع البشر فكان معذوراً فيها ولا يلحقه في ذلك لوم .

الثاني : كيف اعترضوا على أبيهم وهم يعلمون أنه نبيّ وهم مؤمنون به ؟ وأجيب : بأنهم وإن كانوا مؤمنين بنبوّته لكن جوّزوا أن يكون فعله باجتهاد ، ثم أنّ اجتهادهم أدّى إلى تخطئة أبيهم في ذلك الاجتهاد لكونهم أكبر سناً وأكثر نفعاً وغاب عنهم أنّ تخصيصهما بالبرّ كان لوجوه : أحدها : أنّ أمّهما ماتت ، ثانيها : أنه كان في يوسف من آثار الرشد والنجابة ما لم يجده في سائر أولاده ، ثالثها : أنه وإن كان صغيراً إلا أنه كان يخدم أباه بأنواع من الخدمة أعلى وأشرف مما كان يصدر عن سائر أولاده ، والحاصل أنّ هذه المسألة كانت اجتهادية وكانت مخلوطة بميل النفس وموجبات الفطرة فلا يلزم من وقوع الاختلاف فيها طعن أحد الخصمين في دين الآخر .

الثالث : أنهم نسبوا أباهم إلى الضلال عن رعاية مصالح الدنيا والبعد عن طريق الرشد لا الضلال في الدين . الرابع : أنّ قولهم : { ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا } محض حسد ، والحسد من أمّهات الكبائر لاسيما وقد أقدموا بسبب ذلك الحسد على أمورٍ مذمومة منها قولهم : { اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً } .