لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{إِذۡ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (8)

{ إذ قالوا } يعني إخوة يوسف { ليوسف } اللام فيه لام القسم تقديره والله ليوسف { وأخوه } يعني بنيامين وهما من أم واحدة { أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة } إنما قالوا هذه المقالة حسداً منهم ليوسف وأخيه لما رأوا من ميل يعقوب إليه وكثرة شفقته عليه والعصبة الجماعة وكانوا عشرة ، قال الفراء : العصبة هي العشرة فما زاد وقيل هي ما بين الواحد إلى العشرة وقيل ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقال مجاهد : هي ما بين العشرة إلى خمسة عشر وقيل إلى الأربعين وقيل الأصل فيه أن كل جماعة يتعصب بعضهم ببعض يسمون عصبة والعصبة لا واحد لها من لفظها كالرهط والنفر { إن أبانا لفي ضلال مبين } يعني لفي خطأ بين في إيثاره حب يوسف علينا مع صغره لا نفع فيه ونحن عصبة ننفعه ونقوم بمصالحه من أمر دنياه وإصلاح أمر مواشيه وليس المراد من ذكر هذا الضلال الضلال عن الدين إذ لو أرادوا ذلك لكفروا به ولكن أرادوا به الخطأ في أمر الدنيا وما يصلحها يقول نحن أنفع له من يوسف فهو مخطئ في صرف محبته إليه لأنا أكبر منه سناً وأشد قوة وأكثر منفعة وغاب عنهم المقصود الأعظم وهو أن يعقوب عليه الصلاة والسلام ما فضل يوسف وأخاه على سائر الإخوة إلا في المحبة المحضة ومحبة القلب ليس في وسع البشر دفعها ويحتمل أن يعقوب إنما خص يوسف بمزيد المحبة والشفقة لأن أمه ماتت وهو صغير ولأنه رأى فيه من آيات الرشد والنجابة ما لم يره في سائر إخوته فإن قلت الذي فعله إخوة يوسف بيوسف هو محض الحسد والحسد من أمهات الكبائر وكذلك نسبة أبيهم إلى الضلالة هو محض العقوق وهو من الكبائر أيضاً وكل ذلك قادح في عصمة الأنبياء فما الجواب عنه .

قلت : هذه الأفعال إنما صدرت من إخوة يوسف قبل ثبوت النبوة لهم والمعتبر في عصمة الأنبياء هو وقت حصول النبوة لا قبلها ، وقيل : كانوا وقت هذه الأفعال مراهقين غير بالغين ولا تكليف عليهم قبل البلوغ فعلى هذا لم تكن هذه الأفعال قادحة في عصمة الأنبياء .