تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذۡ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (8)

وقوله تعالى : ( إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ) الآية دلالة أن لا بأس للرجل أن يخص بعض ولده بالعطف عليه والميل إليه ، إذا كان فيه معنى ، ليس ذلك في غيره . ولهذا قال أصحابنا : إنه لا بأس للرجل أن يخص بعض ولده بالهبة له أو الصدقة عليه ، إذا لم يقصد بها الجور على غيرهم من الأولاد .

ثم يحتمل تخصيص يعقوب يوسف وأخاه بالحب لهما وجوها :

أحدها : لما رأى فيهما من الضعف في [ نفسيهما والعجز في بدنيهما ازدادت ][ في الأصل وم : لأنفسهم والعجز في أبدانهما فازدادت ] شفقته لهما ، وعطفه عليهما لذلك ، وهذا مما يكون في ما بين الخلق ، وكان ذلك منه لهما لصغرهما ، وهذا أيضا معروف في الناس : أن الصغار من الأولاد يكونون[ في الأصل وم : يكون ] عندهم أحب ، وقلوبهم إليهم [ ميل ، وعليهم أعطف ][ في الأصل : وعليه ، في وم : أميل وعليه ] ولهم أرحم من الكبار[ في الأصل وم : الكبائر ] .

والثاني[ في الأصل وم : أو ] : خصهما بذلك لفضل خصوصية كانت لهما من جهة الدين أو العلم أو غيرهما[ في الأصل وم : غيره ] ؛ أمره الله بذلك لذلك من دون غيرهما .

والثالث[ في الأصل وم : أو ] : لما يشير يعقوب بنبوة يوسف ، فكان يفضله على سائر أولاده ، ويؤثره عليهم لذلك . وإنما ( قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا ) بآثار تظهر عندهم ، وإلا حقيقة المحبة لا تعرف .

وقوله تعالى : ( ونحن عصبة ) قيل : العصبة الجماعة ، وقال أصحابنا : إن التسعة مع الإمام منعة يستوجبون ما يستوجب السرية إذا دخلت دار الحرب ، فغنمت غنائم ، يخمس منها .

وقوله تعالى : ( ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين ) لم يعنوا ضلال الدين ؛ إنما قالوا ذلك ، والله أعلم ، إنا جماعة ، نقدر على دفع من يروم الضرر به ، ويقصد قصد الشر بنفسه وماله ، ونحن أولو قوة ؛ بنا يقوم معاشه وأسبابه ، فكيف يؤثر هؤلاء علينا . وكذلك قوله : ( ووجدك ضالا فهدى )[ الضحى : 7 ] لم يرد به ضلال الدين ، ولكن وجها آخر .

وقالوا : لما كانت [ له ][ ساقطة من الأصل وم ] منافع من أنفسهم ، لم تكن تلك المنافع من يوسف وأخيه . وأبدا إنما يؤثر المرء حب من له منافع من قبله لا حب من لا منفعة له منه ، فهو فيه في ضلال مبين حين[ في الأصل وم : حيث ] يؤثر من لا منفعة له منه على من كانت له منه منافع وأمثاله ، والله أعلم .