البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذۡ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحۡنُ عُصۡبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (8)

والضمير في قالوا عائد على أخوة يوسف وأخوه هو بنيامين ، ولما كانا شقيقين أضافوه إلى يوسف .

واللام في ليوسف لام الابتداء ، وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة أي : كثرة حبه لهما ثابت لا شبهة فيه .

وأحب أفعل تفضيل ، وهي مبني من المفعول شذوذاً ، ولذلك عدى بإلى ، لأنه إذا كان ما تعلق به فاعلاً من حيث المعنى عدى إليه بإلى ، وإذا كان مفعولاً عدى إليه بفي ، تقول : زيد أحب إلى عمرو من خالد ، فالضمير في أحب مفعول من حيث المعنى ، وعمرو هو المحب .

وإذا قلت : زيد أحب إلى عمرو من خالد ، كان الضمير فاعلاً ، وعمرو هو المحبوب .

ومن خالد في المثال الأول محبوب ، وفي الثاني فاعل ، ولم يبن أحب لتعدّيه بمن .

وكان بنيامين أصغر من يوسف ، فكان يعقوب يحبهما بسبب صغرهما وموت أمهما ، وحب الصغير والشفقة عليه مركوز في فطرة البشر .

وقيل لابنة الحسن : أي بنيك أحب إليك ؟ قالت : الصغير حتى يكبر ، والغائب حتى يقدم ، والمريض حتى يفيق .

وقد نظم الشعراء في محبة الولد الصغير قديماً وحديثاً ، ومن ذلك ما قاله الوزير أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري في قصيدته التي بعث بها إلى أولاده وهو في السجن :

وصغيركم عبد العزيز فإنني *** أطوي لفرقته جوى لم يصغر

ذاك المقدم في الفؤاد وإن غدا *** كفؤاً لكم في المنتمى والعنصر

إن البنان الخمس أكفاء معاً *** والحلى دون جميعها للخنصر

وإذا الفتى بعد الشباب سما له *** حب البنين ولا كحب الأصغر

ونحن عصبة جملة حالية أي : تفضلهما علينا في المحبة ، وهما ابنان صغيران لا كفاية فيهما ولا منفعة ، ونحن جماعة عشرة رجال كفاة نقوم بمرافقة ، فنحن أحق بزيادة المحبة منهما .

وروى النزال بن سبرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ونحن عصبة .

وقيل : معناه ونحن نجتمع عصبة ، فيكون الخبر محذوفاً وهو عامل في عصبة ، وانتصب عصبة على الحال ، وهذا كقول العرب : حكمك مسمطاً حذف الخبر .

قال المبرد : قال الفرزدق :

يا لهذم حكمك مسمطا *** أراد لك حكمك مسمطاً ، واستعمل هذا فكثر حتى حذف استخفا ، فالعلم السامع ما يريد القائل كقولك : الهلال والله أي : هذا الهلال ، والمسمط المرسل غير المردود .

وقال ابن الأنباري : هذا كما تقول العرب : إنما العامري عمته ، أي يتعمم عمته انتهى .

وليس مثله ، لأنّ عصبة ليس مصدراً ولا هيئة ، فالأجود أن يكون من باب حكمك مسمطاً .

وقدره بعضهم : حكمك ثبت مسمطاً .

وعن ابن عباس : العصبة ما زاد على العشرة ، وعنه : ما بين العشرة إلى الأربعين ، وعن قتادة : ما فوق العشرة إلى الأربعين ، وعن مجاهد : من عشرة إلى خمسة عشر ، وعن مقاتل : عشرة ، وعن ابن جبير : ستة أو سبعة ، وقيل : ما بين الواحد إلى العشرة ، وقيل : إلى خمسة عشر ، وعن الفراء : عشرة فما زاد ، وعن ابن زيد ، والزجاج ، وابن قتيبة : العصبة ثلاثة نفر ، فإذا زادوا فهم رهط إلى التسعة ، فإذا زادوا فهم عصبة ، ولا يقال لأقل من عشرة عصبة .

والضلال هنا هو الهوى قاله ابن عباس ، أو الخطأ من الرأي قاله ابن زيد ، أو الجور في الفعل قاله ابن كامل ، أو الغلط في أمر الدنيا .

روي أنه بعد إخباره لأبيه بالرؤيا كان يضمه كل ساعة إلى صدره ، وكأن قلبه أيقن بالفراق فلا يكاد يصبر عنه ،