التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقٗا جَدِيدٗا} (49)

قال الإِمام الرازى : اعلم أنه تعالى لما تكلم أولا فى الإِلهيات ، ثم أتبعه بذكر شبهاتهم فى النبوات ، ذكر فى هذه الآيات شبهات القوم فى إنكار المعاد والبعث والقيامة . . .

والرفات : ما تكسر وبَلِىَ من كل شئ كالفتات . يقال : رفت فلان الشئ يرفته - بكسر الفاء وضمها - ، إذا كسره وجعله يشبه التراب .

والاستفهام فى قوله - تعالى - : { أئذا كنا . . . } وفى قوله { أئنا لمبعوثون . . } للاستبعاد والإِنكار .

أى : وقال الكافرون المنكرون لوحدانية الله - تعالى - ، ولنبوة النبى صلى الله عليه وسلم ، وللبعث والحساب ، قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم على سبيل الإِنكار والاستبعاد ، أئذا كنا يا محمد ، عظاما بالية ، ورفاتا يشبه التراب فى تفتته ودقته ، أئنا لمعادون إلى الحياة مرة أخرى ، بحيث تعود إلينا أرواحنا ، وتدب الحياة فينا ثانية ، ونبعث على هيئة خلق جديد ، غير الذى كنا عليه فى الدنيا ؟ .

وقولهم هذا ، يدل على جهلهم المطبق ، بقدرة الله - تعالى - التى لا يعجزها شئ ، وكرر - سبحانه - الاستفهام فى الآية الكريمة ، للإِشعار بإيغالهم فى الجحود والإِنكار .

والعامل فى { إذا } محذوف ، والتقدير : أنبعث أو أنحشر إذا كنا عظاما ورفاتا ، وقد دل على هذا المحذوف قوله - تعالى - : { أئنا لمبعوثون } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقٗا جَدِيدٗا} (49)

40

ذلك قولهم عن القرآن ، وعن الرسول [ ص ] وهو يتلو عليهم القرآن . كذلك كذبوا بالبعث ، وكفروا بالآخرة :

( وقالوا : أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ? قل : كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم . فسيقولون : من يعيدنا ? قل : الذي فطركم أول مرة . فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون : متى هو ? قل : عسى أن يكون قريبا ، يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ) . .

وقد كانت قضية البعث مثار جدل طويل بين الرسول [ ص ] والمشركين ، واشتمل القرآن الكريم على الكثير من هذا الجدل . مع بساطة هذه القضية ووضوحها عند من يتصور طبيعة الحياة والموت ، وطبيعة البعث والحشر . ولقد عرضها القرآن الكريم في هذا الضوء مرات . ولكن القوم لم يكونوا يتصورونها بهذا الوضوح وبتلك البساطة ؛ فكان يصعب عليهم تصور البعث بعد البلى والفناء المسلط على الأجسام :

( وقالوا : أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا )?

ذلك أنهم لم يكونوا يتدبرون أنهم لم يكونوا أحياء أصلا ثم كانوا ، وأن النشأة الآخرة ليست أعسر من النشأة الأولى . وأنه لا شيء أمام القدرة الإلهية أعسر من شيء ، وأداة الخلق واحدة في كل شيء : ( كن فيكون ) فيستوي إذن أن يكون الشيء سهلا وأن يكون صعبا في نظر الناس ، متى توجهت الإرادة الإلهية إليه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقٗا جَدِيدٗا} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُوَاْ أَإِذَا كُنّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الذين لا يؤمنون بالاَخرة من مشركي قريش ، وقالوا بعنتهم : أئِذَا كُنّا عِظاما لم نتحطم ولم نتكسّر بعد مماتنا وبلانا وَرُفاتا يعني ترابا في قبورنا ، كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، يقول الله : رُفاتا قال : ترابا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : وَقالُوا أئذَا كُنّا عِظاما وَرُفاتا يقول : غُبارا ، ولا واحد للرّفات ، وهو بمنزلة الدّقاق والحُطَام ، يقال منه : رُفِتَ يُرْفَت رَفْتا فهو مرفوت : إذا صُيّر كالحُطام والرّضاض .

وقوله : أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقا جَدِيدا قالوا ، إنكارا منهم للبعث بعد الموت : إنا لمبعوثون بعد مصيرنا في القبور عظاما غير منحطمة ، ورفاتا منحطمة ، وقد بَلِينا فصرنا فيها ترابا ، خلقا مُنْشَأ كما كنا قبل الممات جديدا ، نعاد كما بدئنا ؟ فأجابهم جلّ جلاله يعرّفهم قُدرته على بعثه إياهم بعد مماتهم ، وإنشائه لهم كما كانوا قبل بِلاهُم خلقا جديدا ، على أيّ حال كانوا من الأحوال ، عظاما أو رُفاتا ، أو حجارة أو حديدا ، أو غير ذلك مما يعظُم عندهم أن يحدث مثله خَلقْا أمثالَهم أحياء ، قل يا محمد : كونوا حجارة أو حديدا ، أو خلقا مما يكبر في صدوركم .