فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقٗا جَدِيدٗا} (49)

لما فرغ سبحانه من حكاية شبه القوم في النبوّات حكى شبهتهم في أمر المعاد فقال : { وَقَالُوا أَئذَا كُنَّا عظاما ورفاتا } والاستفهام ، للاستنكار والاستبعاد . وتقرير الشبهة : أن الإنسان إذا مات جفت عظامه وتناثرت وتفرقت في جوانب العالم ، واختلطت بسائطها بأمثالها من العناصر ، فكيف يعقل بعد ذلك اجتماعها بأعيانها ، ثم عود الحياة إلى ذلك المجموع ، فأجاب سبحانه عنهم بأن إعادة بدن الميت إلى حال الحياة أمر ممكن ، ولو فرضتم أن بدنه قد صار أبعد شيء من الحياة ومن رطوبة الحي كالحجارة والحديد ، فهو كقول القائل : أتطمع فيّ وأنا ابن فلان ؟ فيقول : كن ابن السلطان أو ابن من شئت فسأطلب منك حقي . والرفات : ما تكسر وبلى من كلّ شيء كالفتات والحطام والرضاض ، قاله أبو عبيدة ، والكسائي ، والفراء ، والأخفش . تقول منه : رفت الشيء رفتاً ، أي : حطم فهو مرفوت . وقيل : الرفات : الغبار ، وقيل : التراب { أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } كرّر الاستفهام الدالّ على الاستنكار والاستبعاد ؛ تأكيداً وتقريراً ، والعامل في «إذا » هو ما دلّ عليه { لمبعوثون } ، لا هو نفسه ، لأن ما بعد إنّ والهمزة واللام لا يعمل فيما قبلها ، والتقدير : { أئذا كنا عظاماً ورفاتاً } نبعث { أإنا لمبعوثون } ، وانتصاب { خلقاً } على المصدرية من غير لفظه ، أو على الحال ، أي : مخلوقين ، و{ جديداً } صفة له .

/خ55