مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقٗا جَدِيدٗا} (49)

قوله تعالى { وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا } .

اعلم أنه تعالى لما تكلم أولا في الإلهيات ثم أتبعه بذكر شبهاتهم في النبوات ، ذكر في هذه الآية شبهات القوم في إنكار المعاد والبعث والقيامة ، وقد ذكرنا كثيرا أن مدار القرآن على المسائل الأربعة وهي : الإلهيات والنبوات والمعاد والقضاء والقدر ، وأيضا أن القوم وصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونه مسحورا فاسد العقل ، فذكروا من جملة ما يدل على فساد عقله أنه يدعي أن الإنسان بعدما يصير عظاما ورفاتا فإنه يعود حيا عاقلا كما كان ، فذكروا هذا الكلام رواية عنه لتقرير كونه مختل العقل . قال الواحدي رحمه الله : الرفت كسر الشيء بيدك ، تقول : رفته أرفته بالكسر كما يرفت المدر والعظم البالي ، والرفات الأجزاء المتفتتة من كل شيء يكسر . يقال : رفت عظام الجزور رفتا إذا كسرها ، ويقال للتبن : الرفت لأنه دقاق الزرع . قال الأخفش : رفت رفتا ، فهو مرفوت نحو حطم حطما فهو محطوم والرفات والحطام الاسم ، كالجذاذ والرضاض والفتات ، فهذا ما يتعلق باللغة . أما تقرير شبهة القوم : فهي أن الإنسان إذا مات جفت أعضاؤه وتناثرت وتفرقت في حوالي العالم فاختلط بتلك الأجزاء سائر أجزاء العالم . أما الأجزاء المائية في البدن فستختلط بمياه العالم ، وأما الأجزاء الترابية فتختلط بتراب العالم ، وأما الأجزاء الهوائية فتختلط بهواء العالم ، وأما الأجزاء النارية فتختلط بنار العالم وإذا صار الأمر كذلك فكيف يعقل اجتماعها بأعيانها مرة أخرى . وكيف يعقل عود الحياة إليها بأعيانها مرة أخرى ، فهذا هو تقرير الشبهة .

والجواب عنها : أن هذا الإشكال لا يتم إلا بالقدح في كمال علم الله وفي كمال قدرته . أما إذا سلمنا كونه تعالى عالما بجميع الجزئيات فحينئذ هذه الأجزاء وإن اختلطت بأجزاء العالم إلا أنها متمايزة في علم الله تعالى ولما سلمنا كونه تعالى قادرا على كل الممكنات كان قادرا على إعادة التأليف والتركيب والحياة والعقل إلى تلك الأجزاء بأعيانها ، فثبت أنا متى سلمنا كمال علم الله وكمال قدرته زالت هذه الشبهة بالكلية .