إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقٗا جَدِيدٗا} (49)

{ وَقَالُواْ أئذا كُنَّا عظاما ورفاتا } استفهامٌ إنكاريٌّ مفيدٌ لكمال الاستبعادِ والاستنكارِ للبعث بعد ما آل الحالُ إلى هذا المآل لِما بين غضاضةِ الحيِّ ويُبوسة الرميم من التنافي ، كأن استحالةَ الأمر من الظهور بحيث لا يقدر المخاطبُ على التكلم به ، والرفاتُ ما بولغ في دقِّه وتفتيته ، وقال الفرَّاء : هو التراب ، وهو قولُ مجاهدٍ ، وقيل : هو الحُطامُ وإذا متمحّضةٌ للظرفية وهو الأظهرُ والعاملُ فيها ما دل عليه قوله تعالى : { أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ } لا نفسُه ، لأن ما بعد إن والهمزةِ واللام لا يعمل فيما قبلها وهو نبعث أو نعاد وهو المرجِعُ للإنكار وتقييدُه بالوقت المذكور ليس لتخصيصه به فإنهم منكرِون للإحياء بعد الموت وإن كان البدنُ على حاله ، بل لتقوية الإنكارِ للبعث بتوجيهه إليه في حالة منافيةٍ له ، وتكريرُ الهمزة في قولهم : { أئنا } لتأكيد النكيرِ ، وتحليةُ الجملة بأن واللامِ لتأكيد الإنكارِ لا لإنكار التأكيد كما عسى يُتوَّهم من ظاهر النظمِ ، فإن تقديمَ الهمزة لاقتضائها الصدارةَ كما في مثل قوله تعالى : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ونظائرِه على رأي الجمهور فإن المعنى عندهم تعقيبُ الإنكارِ لا إنكارُ التعقيب كما هو المشهور ، وليس مدارُ إنكارِهم كونَهم ثابتين في المبعوثية بالفعل في حال كونِهم عظاماً ورفاتاً كما يتراءى من ظاهر الجملةِ الاسمية بل كونِهم بعَرَضية ذلك واستعدادِهم له ، ومرجعُه إلى إنكار البعثِ بعد تلك الحالةِ وفيه من الدِلالة على غلوّهم في الكفر وتماديهم في الضلال ما لا مزيد عليه { خَلْقاً جَدِيداً } نصْبٌ على المصدر من غير لفظه ، أو الحاليةِ على أن الخلق بمعنى المخلوق .