التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

ثم بين - سبحانه - أحوال الناس فى السراء والضراء وعندما يوسع الله - تعالى - فى أرزاقهم ، وعندما يضيق عليهم هذه الأرزاق ، فقال - تعالى - : { وَإِذَا مَسَّ الناس . . . لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

أى : { وَإِذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ } من قحط أو مصيبة فى المال أو الولد ، { دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } أى : إذا نزل بهم الضر ، أسرعوا بالدعاء إلى الله - تعالى - متضرعين إليه أن يكشف عنهم ما نزل بهم من بلاء .

هذا حالهم عند الشدائد والكروب ، أما حالهم عند العافية والغنى وتفريج الهموم ، فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } .

و { إِذَآ } الأولى شرطية ، والثانية فجائية .

أى : هم بمجرد نزول الضر بهم يلجأون إلى الله - تعالى - لإزالته ، ثم إذا ما كشفه عنهم ، وأحاطهم برحمته ، أسرع فريق منهم بعباده غيره - سبحانه - .

وقوله - تعالى - : { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } : إنصاف وتشريف لفريق آخر من الناس ، من صفاتهم أنهم يذكرون الله - تعالى - فى كل الأحوال ، ويصبرون عند البلاء ، ويشكرون عند الرخاء .

التنكير فى قوله - سبحانه - " ضر ، ورحمة " للإِشارة إلى أن هذا النوع من الناس يجزعون عند أقل ضر ، ويبطرون ويطغون لأدنى رحمة ونعمة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

33

( وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ، ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ، ليكفروا بما آتيناهم ، فتمتعوا فسوف تعلمون . أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون ? وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها ، وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون . أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ? إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) . .

إنها صورة للنفس البشرية التي لا تستمد من قيمة ثابتة ، ولا تسير على نهج واضح . صورة لها وهي تتأرجح بين الانفعالات الطارئة ، والتصورات العارضة ، والاندفاعات مع الأحداث والتيارات . فعند مس الضر يذكر الناس ربهم ، ويلجأون إلى القوة التي لا عاصم إلا إياها ، ولا نجاة إلا بالإنابة إليها . حتى إذا انكشفت الغمة ، وانفرجت الشدة ، وأذاقهم الله رحمة منه : ( إذا فريق منهم بربهم يشركون ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا مَسّ النّاسَ ضُرّ دَعَوْاْ رَبّهُمْ مّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وإذا مسّ هؤلاء المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر ضُرّ ، فأصابتهم شدة وجدوب وقحوط دَعَوْا رَبّهُمْ يقول : أخلصوا لربهم التوحيد ، وأفردوه بالدعاء والتضرّع إليه ، واستغاثوا به منيبين إليه ، تائبين إليه من شركهم وكفرهم ثُمّ إذَا أذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً يقول : ثم إذا كشف ربهم تعالى ذكره عنهم ذلك الضرّ وفرّجه عنهم وأصابهم برخاء وخصب وسعة ، إذا فريق منهم يقول : إذا جماعة منهم بربهم يشركون يقول : يعبدون معه الاَلهة والأوثان .