التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ نُوحٞ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمۡ يَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارٗا} (21)

وهكذا حاول نوح - عليه السلام - أن يصل إلى آذان قومه وإلى عقولهم وقلوبهم ، بشتى الأساليب الحكيمة ، والتوجيهات القويمة ، فى صبر طويل وإرشاد دائم .

ولكن قومه كانوا قد بلغوا الغاية فى الغباء والجهالة والعناد والطغيان ، لذى نرى السورة الكريمة تحكى عن نوح - عليه السلام - ضراعته إلى ربه ، والتماسه منه - تعالى استئصال شأفتهم ، وقطع دابرهم ، لنستمع فى تدبر إلى قوله - تعالى - .

{ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتبعوا . . . } .

قوله - سبحانه - : { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتبعوا . . } كلام مستأنف . لأن ما سبقه يستدعى سؤالا تقديره : ماذا كانت عاقبة قوم نوح بعد أن نصحهم ووعظهم بتلك الأساليب المتعددة ؟ فكان الجواب : { قَالَ نُوحٌ } - عليه السلام - بعد أن طال نصحه لقومه ، وبعد أن مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، وبعد أن يئس من إيمانهم وبعد أخبره - سبحانه - أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن .

{ قَالَ } متضرعا إلى ربه { رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي } أى : إن قومى قد عصونى وخالفوا أمرى ، وكرهوا صحبتى ، وأصروا واستكبروا استكبارا عظيما فى دعوتى .

{ واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } أى : إنهم أصروا على معصيتى ، ولم يكتفوا بذلك بل بجانب إعراضهم عنى ، اتبعوا غيرى . . اتبعوا رؤساءهم أهل الأموال والأولاد الذين لم تزدهم النعم التى أنعمت بها عليهم إلا خسرانا وجحودا ، وضلالا فى الدنيا ، وعقوبة فى الآخرة .

فالمراد بالذين لم يزدهم مالهم وولدهم إلا خسارا : أولئك الكبراء والزعماء الذين رزقهم الله المال والولد ، ولكنهم استعملوا نعمه فى معصيته لا فى طاعته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ نُوحٞ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمۡ يَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارٗا} (21)

( قال نوح : رب إنهم عصوني ، واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا . ومكروا مكرا كبارا . وقالوا لا تذرن آلهتكم ، ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا . وقد أضلوا كثيرا . ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) . .

رب إنهم عصوني ! بعد كل هذا الجهاد ، وبعد كل هذا العناء . وبعد كل هذا التوجيه . وبعد كل هذا التنوير . وبعد الإنذار والإطماع والوعد بالمال والبنين والرخاء . . بعد هذا كله كان العصيان . وكان السير وراء القيادات الضالة المضللة ، التي تخدع الأتباع بما تملك من المال والأولاد ، ومظاهر الجاه والسلطان . ممن ( لم يزده ماله وولده إلا خسارا )فقد أغراهم المال والولد بالضلال والإضلال ، فلم يكن وراءهما إلا الشقاء والخسران .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ نُوحٞ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمۡ يَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارٗا} (21)

وقوله : قالَ نُوحٌ رَبّ إنّهُمْ عَصَوْنِي فخالفوا أمري ، وردّوا عليّ ما دعوتهم إليه من الهدى والرشاد واتّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إلاّ خَسارا يقول : واتبعوا في معصيتهم إياي من دعاهم إلى ذلك ، ممن كثر ماله وولده ، فلم تزده كثرة ماله وولده إلا خسارا ، بُعدا من الله ، وذهابا عن مَحَجّة الطريق .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَوَلَدُهُ فقرأته عامة قرّاء المدينة : وَوَلَدُهُ بفتح الواو واللام ، وكذلك قرءوا ذلك في جميع القرآن . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بضم الواو وسكون اللام ، وكذلك كلّ ما كان من ذكر الولد من سورة مريم إلى آخر القرآن . وقرأ أبو عمرو كلّ ما في القرآن من ذلك بفتح الواو واللام في غير هذا الحرف الواحد في سورة نوح ، فإنه كان يضمّ الواو منه .

والصواب من القول عندنا في ذلك ، إن كلّ هذه القراءات قراءات معروفات ، متقاربات المعاني ، فبأي ذلك قرأ القارىء فمصيب .