التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

ثم أخذ القرآن فى تسلية النبى صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه فقال :

{ وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ والمعنى : لا تحزن يا محمد لما أصابك من قومك ، فإن من شأن الدعاة إلى الحق المجاهدين فى سبيله أن ينالهم الأذى من أعدائهم ، ولقد أوذى من سبقك من الرسل الكرام ، وسخر الساخرون منهم ، فصبروا على ذلك ، وجاءهم فى النهاية نصرنا الذى وعدناهم به . أما أعداؤهم الذين استهزأوا بهم ، فقد أخذناهم أخذ عزيز مقتدر { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } فالآية الكريمة تهدف إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والترويح عن نفسه ، وتبشيره بحسن العقابة وتثبيت قلبه حتى لا يتأثر أو يضعف أمام سفه المشركين وتطاولهم عليه .

والاستهزاء بالشىء : الاستهانة به ، والاستهزاء بالشخص احتقاره وعدم الاهتمام بأمره . وتنكير الرسل للتكثير والتعظيم ، والفاء فى قوله { فَحَاقَ } للسببية ، أى : بسبب هذا الاستهزاء برسل الله الكرام ، أحاط العذاب بأولئك المستهزئين فأهلكهم .

وقال - سبحانه - { فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ } ولم يقل بالساخرين ، للإشارة إلى أن ما أصابهم من عذاب لم يكن تجنباً عليهم ، وإنما كان بسبب سخريتهم برسل الله والاستخفاف بهم ؛ لأن التعبير بالموصول يفيد أن لاصلة هى علة الحكم .

وفى قوله - تعالى - : { فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } مجاز علاقته السببية ، لأن الذى حاق بهم هو العذاب المسبب عن الاستهزاء ، ففيه إطلاق السبب وإرادة المسبب ، وذلك يفيد أن العذاب ملازم لهذه السخرية لا ينفك عنها ، فحيثما وجد التطاول على أولياء الله والدعاة إلى دينه ، وجد معه عذاب الله وسخطه على المتطاولين والمستهزئين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

وتنتهي هذه الموجة بعرض ما وقع للمستهزئين بالرسل . ودعوة المكذبين إلى تدبر مصارع أسلافهم ، والسير في الأرض لرؤية هذه المصارع ؛ الناطقة بسنة الله في المستهزئين المكذبين :

( ولقد استهزئ برسل من قبلك ، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون . قل : سيروا في الأرض ، ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) . .

إن هذه اللفتة - بعد ذكر إعراضهم عنادا وتعنتا ؛ وبعد بيان ما في اقتراحاتهم من عنت وجهالة ؛ وما في عدم الاستجابة لهذه المقترحات من رحمة من الله وحلم - لترمي إلى غرضين ظاهرين :

الأول : تسلية رسول الله [ ص ] والتسرية عنه ، مما يلقاه من عناد المعرضين ، وعنت المكذبين ؛ وتطمين قلبه [ ص ] إلى سنة الله سبحانه في أخذ المكذبين لمستهزئين بالرسل ؛ وتأسيته كذلك بأن هذا الإعراض والتكذيب ليس بدعا في تاريخ الدعوة إلى الحق . فقد لقي مثله الرسل قبله ؛ وقد لقي المستهزئون جزاءهم الحق وحاق بهم ما كانوا يستهزئون به من العذاب ، ومن غلبة الحق على الباطل في نهاية المطاف . .

والثاني : لمس قلوب المكذبين المستهزئين من العرب بمصارع أسلافهم من المكذبين المستهزئين : وتذكيرهم بهذه المصارع التي تنتظرهم إن هم لجوا في الاستهزاء والسخرية والتكذيب . وقد أخذ الله - من قبلهم - قرونا كانت أشد منهم قوة وتمكينا في الأرض ؛ وأكثر منهم ثراء ورخاء ، كما قال لهم في مطلع هذه الموجة ؛ التي ترج القلوب رجا بهذه رجا بهذه اللفتات الواقعية المخيفة .