التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

و " ما " فى قوله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة } اسم استفهام المقصود به هنا التهويل والتعظيم ، وهى مبتدأ . وخبرها جملة { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة } وما الثانية وخبرها فى محل نصب سادة مسد المفعول الثانى لقوله { أَدْرَاكَ } لأن أدرى يتعدى لمفعولين ، الأول بنفسه والثانى بالباء ، كما فى قوله - تعالى - : { قُل لَّوْ شَآءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } .

وهذا الأسلوب الذى جاءت به هذه الآيات الكريمة ، فيه ما فيه من التهويل من شأن الساعة ، ومن التعظيم لأمرها ، فكأنه - تعالى - يقول : يوم القيامة الذى يخوض فى شأنه الكافرون ، والذى تَحِق فيه الأمور وتثبت . أتدرى أى شئ عظيم هو ؟ وكيف تدرى أيها المخاطب ؟ ونحن لم نحط أحدا بكنه هذا اليوم ، ولا بزمان وقوعه ؟

وإنك - أيها العاقل - مهما تصورت هذا اليوم ، فإن أهواله فوق ما تتصور ، وكيفما قدرت لشدائده : فإن هذه الشدائد فوق ما قدرت .

ومن مظاهر هذا التهويل لشأن يوم القيامة افتتاح السورة بلفظ " الحاقة " الذى قصد به ترويع المشركين ، لأن هذا اللفظ يدل على أن يوم القيامة حق .

كما أن تكرار لفظ " ما " ثلاث مرات ، مستعمل - أيضا - فى التهويل والتعظيم ، كما أن إعادة المبتدأ فى الجملة الواقعة خبرا عنه بلفظه ، بأن قال { مَا الحآقة } ولم يقل ما هى : يدل أيضا على التهويل .

لأن إظهار فى مقام الإِضمار يقصد به ذلك ، ونظيره قوله - تعالى - : { وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين } { وَأَصْحَابُ الشمال مَآ أَصْحَابُ الشمال } والخطاب فى الآيات الكريمة ، لكل من يصلح له ، لأن المقصود تنبيه الناس إلى أن الساعة حق . وأن الحساب والجزاء فيها حق ، لكى يستعدوا لها بالإِيمان والعمل الصالح .

قال بعض العلماء ما مخلصه : واستعمال " ما أدراك " غير استعمال " ما يدريك " . . فقد روى عن ابن عباس أنه قال : كل شئ من القرآن من قوله { وَمَآ أَدْرَاكَ } فقد أدراه ، وكل شئ من قوله : { وَمَا يُدْرِيكَ } فقد طوى عنه .

فإن صح هذا عنه فمراده أن مفعول " ما أدراك " محقق الوقوع ، لأن الاستفهام فيه للتهويل وأن مفعول " ما يدريك " غير محقق الوقوع لأن الاستفهام فيه للإِنكار ، وهو فى معنى نفى الدراية .

قال - تعالى - : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ } وقال - سبحانه - { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

ثم يزيد هذا الاستهوال والاستعظام بالتجهيل ، وإخراج المسألة عن حدود العلم والإدراك : ( وما أدراك ما الحاقة ? ) . . ثم يسكت فلا يجيب على هذا السؤال . ويدعك واقفا أمام هذا الأمر المستهول المستعظم ، الذي لا تدريه ، ولا يتأتى لك أن تدريه ! لأنه أعظم من أن يحيط به العلم والإدراك !