وأقسم - سبحانه - ثانيا بقوله : { وَلَيالٍ عَشْرٍ } والمراد بها : الليالى العشر الأُوَلى من شهر ذى الحجة ، لأنها وقت مناسك الحج ، ففيها الإِحرام ، والطواف ، والوقوف بعرفة . .
وقيل المراد بها : الليالى العشر الأواخر من رمضان وقيل : الليالى العشر الأُوَلى من شهر المحرم . .
قال الإِمام ابن كثير : والليالى العشر : المراد بها : عشر ذى الحجة . كما قاله ابن عباس وابن الزبير ، ومجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف .
وقد ثبت فى صحيح البخارى ، عن ابن عباس مرفوعا : " ما من أيام العمل الصالح ، أحب إلى الله - تعالى - فيهن ، من هذه الأيام " - يعنى : عشر ذو الحجة - قالوا : " ولا الجهاد فى سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد فى سبيل الله ، إلا رجلا خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشئ " .
وقيل : المراد بذلك : العشر الأُوَل من المحرم . وقيل : العشر الأُوَل من رمضان والصحيح القول الأول . .
وقوله : وَلَيالٍ عَشْرٍ اختلف أهل التأويل في هذه الليالي العشر أيّ ليال هي ؟ فقال بعضهم : هي ليالي عشر ذي الحجة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر ، عن عوف ، عن زرارة ، عن ابن عباس ، قال : إن اللياليَ العشر التي أقسم الله بها ، هي ليالي العشر الأول من ذي الحجة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَلَيالٍ عَشْرٍ : عشر الأضحى قال : ويقال : العشر : أولَ السنة من المحرم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وَهب ، قال : أخبرني عمر بن قيس ، عن محمد بن المرتفع ، عن عبد الله بن الزّبير وَلَيالٍ عَشْرٍ : أوّل ذي الحجة إلى يوم النحر .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا عوف ، قال : حدثنا زرارة بن أوفى ، قال : قال ابن عباس : إن الليالي العشر اللاتي أقسم الله بهنّ : هن الليالي الأُوَل من ذي الحجة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : عشر ذي الحجة ، وهي التي وعد الله موسى صلى الله عليه وسلم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا عاصم الأحول ، عن عكرِمة وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : عشر ذي الحجة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأغرّ المنقريّ ، عن خليفة بن حصين ، عن أبي نصر ، عن ابن عباس وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : عشر الأضحى .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : عشر ذي الحجة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : كنا نحدّث أنها عشر الأضحى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثَور ، عن معمر ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، قال : ليس عمل في ليال من ليالي السنة أفضل منه في ليالي العشر ، وهي عشر موسى التي أتمّها الله له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق ، قال : ليال العشر ، قال : هي أفضل أيام السنة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلَيالٍ عَشْرٍ يعني : عشر الأضحى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : أوّل ذي الحجة وقال : هي عشر المحرّم من أوّله .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أنها عشر الأضحى ، لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه ، وأن عبد الله بن أبي زياد القَطْوانيّ :
حدثني قال : ثني زيد بن حباب ، قال : أخبرني عياش بن عقبة ، قال : ثني جُبير بن نعيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «والفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ ، قال : عَشْرُ الأَضْحَى » .
وقوله : { وليال عشر } : هي ليال معلومة للسامعين موصوفة بأنها عشر واستُغني عن تعريفها بتوصيفها بعشر وإذ قد وصفت بها العدد تعين أنها عشر متتابعة وعدل عن تعريفها مع أنها معروفة ليتوصل بترْك التعريف إلى تنوينها المفيد للتعظيم وليس في ليالي السَّنة عشرُ ليال متتابعة عظيمة مثل عشر ذي الحجّة التي هي وقتُ مناسك الحج ، ففيها يكون الإِحرام ودخول مكة وأعمال الطواف ، وفي ثامنتها ليلة التروية ، وتاسعتها ليلة عرفة وعاشرتها ليلة النحر . فتعين أنها الليالي المرادة بليال عشر . وهو قول ابن عباس وابن الزبير ، وروى أحمد والنسائي عن أبي الزبير ( المكي ) عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن العشر عشر الأضحى » قال ابن العربي : ولم يصح وقال ابن عساكر : رجاله لا بأس بهم وعندي أن المتن في رفعه نكارة اه .
ومناسبة عطف { ليال عشر } على { الفجر } أن الفجر وقت انتهاء الليل ، فبينه وبين الليل جامع المضادة ، والليل مظهر من مظاهر القدرة الإلهية فلما أريد عطفه على الفجر بقوله : { والليل إذا يسر } خصت قبل ذكره بالذكرِ ليال مباركة إذ هي من أفراد الليل .
وكانت الليالي العشر معينة من الله تعالى في شرع إبراهيم عليه السلام ثم غيرت مواقيتها بما أدخله أهل الجاهلية على السَّنة القمرية من النسيء فاضطربت السنين المقدسة التي أمر الله بها إبراهيم عليه السلام . ولا يُعرف متى بدأ ذلك الاضطراب ، ولا مقاديرُ ما أدخل عليها من النسيء ، ولا ما يضبط أيام النسيء في كل عام لاختلاف اصطلاحهم في ذلك وعدم ضبطه فبذلك يتعذر تعيين الليالي العشر المأمور بها من جانب الله تعالى ، ولكننا نوقن بوجودها في خلال السنة إلى أن أوحى الله إلى نبيئه محمد صلى الله عليه وسلم في سنة عشر من الهجرة عام حجة الوداع ، بأن أشهر الحج في تلك السنة وافقت ما كانت عليه السنةُ في عهد إبراهيم عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : " إن الزمان قد استدار كهيئته يومَ خلق الله السماوات والأرض " .
وهذا التغيير لا يرفع بركة الأيام الجارية فيها المناسك قبل حجة الوداع لأن الله عظمها لأجل ما يقع فيها من مناسك الحج إذ هو عبادة لله خاصة .
فأوقات العبادات تعيين لإِيقاع العبادة فلا شك أن للوقت المعين لإيقاعها حكمة علمها الله تعالى ولذلك غلب في عبارات الفقهاء وأهل الأصول إطلاقُ اسم السبب على الوقت لأنهم يريدون بالسبب المعرّف بالحكم ولا يريدون به نفسَ الحِكمة .
وتعيين الأوقات للعبادات مما انفرد الله به ، فلأوقات العبادات حرمات بالجعل الرباني ، ولكن إذا اختلت أو اختلطت لم يكن اختلالها أو اختلاطها بقاض بسقوط العبادات المعينة لها .
فقسمُ اللَّه تعالى بالليالي العشر في هذه مما نزل بمكة قسم بما في علمه من تعيينها في علمه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.