التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ} (14)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن نعمة خلق الإنسان ، وعن مظاهر قدرته فى هذا الكون ، فقال - تعالى - : { خَلَقَ الإنسان . . . } .

الصلصال - الطين اليابس الذى تسمع له صوتا وصلصلة إذا قرع بشىء .

والفخار : الخزف المجوف الذى صار كذلك بعد أن أدخل فى النار .

ولا تعارض بين هذه الآية ، وبين غيرها من الآيات التى تحكى أن الإنسان خلق من تراب أو من طين أو من صلصال من حمأ مسنون .

لأن كل آية تتحدث عن مرحلة من مراحل خلق الإنسان ، لأن هذا التراب صار طينا ، ثم خمر هذا الطين فصار حمأ مسنونا ، أى : طينا أسود متغير الرائحة ، ثم يبس هذا الطين فصار صلصالا كالفخار .

فالآيات الكريمة التى تحدثت عن خلق الإنسان لا يصادم بعضها بعضا ، وإنما يؤيد بعضها بعضا .

قال بعض العلماء : وقد أثبت العلم الحديث أن جسم الإنسان يحتوى من العناصر ما تحتويه الأرض ، فهو يتكون من الكربون ، والأكسجين ، والحديد .

وهذه نفسها هى العناصر المكونة للتراب ، وإن اختلفت نسبها من إنسان إلى آخر ، وفى الإنسان عن التراب ، إلا أن أصنافها واحدة .

إلا أن هذا الذى اثبته العلم لا يجوز أن يؤخذ على أنه التفسير الحتمى للنص القرآنى .

فقد تكون الحقيقة القرآنية تعنى هذا الذى أثبته العلم ، أو تعنى شيئا آخر سواه ، وتقصد إلى صورة أخرى من الصور الكثيرة التى يتحقق بها معنى خلق الإنسان من تراب ، أو من طين ، أو من صلصال .

والذى ننبه إليه بشدة ، هو ضرورة عدم قصر النص القرآنى على كشف علمى بشرى ، قابل للخطأ والصواب ، وقابل للتعديل والتبديل ، كلما اتسعت معارف الإنسان ، وكثرت وتحسنت وسائله للمعرفة .

والمعنى : خلق - سبحانه - بقدرته أباكم آدم الذى هو أصلكم ، وعنه تفرع جنسكم من طين يابس يشبه الفخار فى يبوسته وصلابته .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ} (14)

وقوله : خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ يقول تعالى ذكره : خلق الله الإنسان وهو آدم من صلصال : وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ ، فإنه من يبسه له صلصلة إذا حرّك ونقر كالفخار يعني أنه من يُبسه وإن لم يكن مطبوخا ، كالذي قد طُبخ بالنار ، فهو يصلصل كما يصلصل الفخار ، والفخار : هو الذي قد طُبخ من الطين بالنار . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عبيد الله بن يوسف الجبيريّ ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا مسلم ، يعني الملائيّ ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قوله : مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال : هو من الطين الذي إذا مطرت السماء فيبست الأرض كأنه خزف رقاق .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : خلق الله آدم من طين لازب ، واللازب : اللّزِج الطيب من بعد حمأ مسنون مُنْتن . قال : وإنما كان حَمَأً مسنونا بعد التراب ، قال : فخلق منه آدم بيده ، قال : فمكث أربعين ليلة جسدا ملقًى ، فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله ، فيصلصل فيصوّت ، قال : فهو قول الله تعالى : كالفَخّارِ يقول : كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال : الصلصال : التراب المدقق .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : الصّلصال : التراب المدقّق .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ يقول : الطين اليابس .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرِمة ، في قوله : مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال : الصلصال : طين خُلط برمل فكان كالفخار .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ والصلصال : التراب اليابس الذي يُسمع له صلصلة فهو كالفخار ، كما قال الله عزّ وجلّ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال : من طين له صلصلة كان يابسا ، ثم خلق الإنسان منه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال : يبس آدم في الطين في الجنة ، حتى صار كالصلصال ، وهو الفخار ، والحمأ المسنون : المنتن الريح .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال : من تراب يابس له صلصلة .

قال : ثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا شبيب ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال : ما عُصِر ، فخرج من بين الأصابع ، ولو وجّه موجّه قوله : صلصال إلى أنه فعلال من قولهم صلّ اللحم : إذا أنتن وتغيرت ريحه ، كما قيل من صرّ الباب صرصر ، وكبكب من كَبّ ، كان وجها ومذهبا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ} (14)

خلق الإنسان من صلصال كالفخار الصلصال الطين اليابس الذي له صلصلة والفخار الخزف وقد خلق الله آدم من تراب جعله طينا ثم حمأ مسنونا ثم صلصالا فلا يخالف ذلك قوله خلقه من تراب ونحوه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ} (14)

قال كثير من المفسرين : { الإنسان } آدم . وقال آخرون : أراد اسم الجنس ، وساغ ذلك من حيث أبوهم مخلوق من الصلصال .

واختلف الناس في اشتقاق الصلصال ، فقال مكي فيما حكى النقاش : هو من صلّ اللحم وغيره إذا نتن ، فهي إشارة إلى الحمأة . وقال الطبري وجمهور المفسرين : هو من صلّ إذا صوت ، وذلك في الطين لكرمه وجودته ، فهي إشارة إلى ما كان من تربة آدم من الطين الحر ، وذلك أن الله تعالى خلقه من طيب وخبيث ومختلف اللون ، فمرة ذكر في خلقه هذا ، ومرة هذا ، وكل ما في القرآن في ذلك صفات ترددت على التراب الذي خلق منه . و «الفخار » : الطين الطيب إذا مسه الماء فخر أي ربا وعظم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ} (14)

هذا انتقال إلى الاعتبار بخلق الله الإِنسان وخلقه الجن .

والقول في مجيء المسند فعلاً كالقول في قوله : { علم القرآن } [ الرحمن : 2 ] .

والمراد بالإِنسان آدم وهو أصل الجنس وقوله : { من صلصال } تقدم نظيره في سورة الحجر ( 2 ) .

والصلصال : الطين اليابس .

والفخار : الطين المطبوخ بالنار ويُسمى الخزَف . وظاهر كلام المفسرين أن قوله : { كالفخار } صفة ل { صلصال } . وصرح بذلك الكواشي في « تلخيص التبصرة » ولم يعرجوا على فائدة هذا الوصف . والذي يظهر لي أن يكون كالفخار حالاً من { الإنسان } ، أي خلقه من صلصال فصار الإِنسان كالفخار في صورة خاصة وصلابة .

والمعنى أنه صلصال يابس يشبه يبس الطين المطبوخ والمشبه غير المشبه به ، وقد عبر عنه بالحمأ المسنون ، والطين اللازب ، والتراب .