السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ} (14)

ولما ذكر تعالى خلق العالم الكبير من السماء والأرض ، وما فيهما من الدلالات على وحدانيته وقدرته ذكر خلق العالم الصغير فقال تعالى : { خلق الإنسان } أي : آدم عليه السلام { من صلصال } أي : من طين يابس له صلصلة أي صوت إذا نقر { كالفخار } أي كالخزف المصنوع المشوي بالنار ، وقيل هو طين خلط برمل ؛ وقيل : هو الطين المنتن من صل اللحم وأصل إذا أنتن .

تنبيه : قال تعالى : هنا . { من صلصال كالفخار } وقال تعالى في الحجر : { من حمإ مسنون } [ الحجر : 26 ] وقال تعالى في الصافات : { من طين لازب } [ الصافات : 11 ] وقال تعالى في آل عمران { كمثل آدم خلقه من تراب } [ آل عمران : 59 ] وكله متفق المعنى وذلك أنه أخذه من تراب الأرض ، فعجنه بالماء ، فصار طيناً ، ثم ترك حتى صار حمأ مسنوناً ثم منتناً ثم صوّره كما يصوّر الإبريق وغيره من الأواني ، ثم أيبسه حتى صار في غاية الصلابة فصار كالخزف الذي إذا نقر صوت صوتاً ، يعلم منه هل فيه عيب أو لا فالمذكور هنا آخر تخليقه وهو أنسب بالرحمانية وفي غيرها تارة مبدؤه وتارة أثناؤه فالأرض أمّه والماء أبوه ممزوجين بالهواء الحامل للجزء الذي هو من فيح جهنم ؛ فمن التراب جسده ونفسه ، ومن الماء روحه وعقله ، ومن النار غوايته وحدته ، ومن الهواء حركته وتقلبه في محامده ومذامه ، فالغالب في جبلته التراب ، فلهذا نسب إليه ، وإن خلق من العناصر الأربع ، كما أنّ الجانّ خلق من العناصر الأربع لكن الغالب في جبلته النار فنسب إليها ؛ كما قال تعالى : { وخلق الجانّ من مارج من نار } .