فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ} (14)

ولما ذكر سبحانه خلق العالم الكبير ، وهو السماء والأرض وما فيها ، ذكر خلق العالم الصغير وقال : { خلق الإنسان } وهذا تمهيد للتوبيخ على إخلالهم بواجب شكر النعم ، المتعلقة بذات كل واحد من الثقلين ، والمراد بالإنسان هنا آدم . قال القرطبي بالاتفاق من أهل التأويل ، ولا يبعد أن يراد به الجنس لأن بني آدم مخلوقون في ضمن خلق أبيهم آدم { من صلصال } أي : من طين يابس يسمع له صلصلة أي : صوت إذا نقر أي ليختبر هل فيه عيب أو لا ؟ وقيل هو طين خلط برمل وقيل : هو الطين المنتن يقال : صل اللحم وأصل ، إذا أنتن ، وقد تقدم بيانه في سورة الحجر .

{ كالفخار } أي الخزف الذي طبخ بالنار ، والمعنى : أنه خلق الإنسان من طين يشبه من يبسه الخزف ، فإن قلت : قد اختلفت العبارات في صفة خلق الإنسان الذي هو آدم ، فقال تعالى في آل عمران : { من تراب } وقال في الحجر : { من حمإ مسنون } ، وقال في الصفات : من طين لازب } ، وزاد الخازن : { من ماء مهين } ، وقال : هنا { من صلصال كالفخار } ، قلت : ليس فيها اختلاف بل المعنى متفق ، وذلك أن الله تعالى خلقه أولا من تراب ثم جعله طينا لازبا لما اختلط بالماء ، ثم حمأ مسنونا ، وهو الطين الأسود المنتن ، فلما يبس صار صلصالا كالفخار ، قال الخطيب : المذكور هنا آخر تخليقه وهو أنسب بالرحمانية وفي غيرها تارة مبدأه ، وتارة إثناؤه ، فالأرض أمه والماء أبوه ممزوجان بالهواء الحامل للحر ، الذي هو من فيح جهنم فمن التراب جسده ونفسه ومن الماء روحه وعقله ، ومن النار مطلب غوايته وحدته ومن الهواء حركته وتقلبه في محامده ومذامه .

والغالب في جبلته التراب فلذا نسب إليه وإن كان خلقه من العناصر الأربع كما أن الجان من العناصر الأربع ، لكن الغالب في جبلته النار فنسب إليها كما قال تعالى : { وخلق الجان من مارج }