التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ أَن لَّمۡ يَكُن رَّبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا غَٰفِلُونَ} (131)

ثم يحدثنا القرآن بعد ذلك عن عدالة الله فى أحكامه ، وعن سعة غناه ورحمته ، وعن حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء مصير الكافرين فيقول : { ذلك أَن لَّمْ يَكُنْ . .

قال الآلوسى : " ذلك " إشارة إلى إتيان الرسل ، أو السؤال المفهوم من { أَلَمْ يَأْتِكُمْ } أو ما قص من أمرهم ، أعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر وهو إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ مقدر أى : الأمر ذلك ، أو مبتدأ خبره مقدر ، أو خبره قوله - سبحانه - { أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ القرى } بخلاف اللام على أن { أَن } مصدرية ، أو مخففة من أن وضمير الشأن اسمها .

وإما منصوب على أنه مفعول به لفعل مقدر كخذ ذلك ، أو فعلنا ذلك .

وفى قوله { بِظُلْمٍ } متعلق بمهلك أى : بسبب ظلم . أو بمحذوف وقع حالا من القرى أى : ملتبسة بظلم . . . " .

والمعنى : ذلك الذى ذكرناه لك يا محمد من إتيان الرسل يقصون على الأمم آيات الله ، سببه أن ربك لم يكن من شأنه ولا من سننه فى تربية خلقه أن يهلك القرى من أجل أى ظلم فعلوه قبل أن ينبهوا على بطلانه ، وينهوا عنه بواسطة الأنبياء والمرسلين ، فربك لا يظلم ، ولا يعذب أحداً وهو غافل لم ينذر قال - تعالى - { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً } وقال - تعالى - { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } فالآية الكريمة صريحة فى أن - سبحانه - قد أعذر إلى الثقلين بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وتبيين الآيات ، وإلزام الحجة { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ أَن لَّمۡ يَكُن رَّبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا غَٰفِلُونَ} (131)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ أَن لّمْ يَكُنْ رّبّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىَ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ذَلِكَ أنْ لَمْ يَكُنْ رَبّكَ مُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ : أي إنما أرسلنا الرسل يا محمد إلى من وصفت أمره ، وأعلمتك خبره من مشركي الإنس والجنّ يقصون عليهم آياتي وينذرونهم لقاء معادهم إليّ ، من أجل أن ربك لم يكن مهلك القرى بظلم .

وقد يتجه من التأويل في قوله : «بظلم » وجهان : أحدهما : ذَلِكَ أنْ لَمْ يَكُنْ رَبّكَ مُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ : أي بشرك من أشرك ، وكُفْر من كفر من أهلها ، كما قال لقمان : إنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . وأهْلُها غافِلُونَ يقول : لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسلاً تنبههم على حجج الله عليهم ، وتنذرهم عذاب الله يوم معادهم إليه ، ولم يكن بالذي يأخذهم غفلة فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير .

والاَخر : ذَلِكَ أنْ لَمْ رَبّكَ يَكُنْ مُهْلِكَ القُرَى بظُلْمٍ يقول : لم يكن ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والاَيات والعبر ، فيظلمهم بذلك ، والله غير ظلام للعبيد .

وأولى القولين بالصواب عندي القول الأوّل ، أن يكون معناه : أن لم يكن ليهلكهم بشركهم دون إرسال الرسل إليهم والإعذار بينه وبينهم ، وذلك أن قوله : ذَلِكَ أنْ لَمْ يَكُنْ رَبّكَ مُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ عقيب قوله : ألَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فكان في ذلك الدليل الواضح على أن نص قوله : ذَلِكَ أنْ لَمْ يَكُنْ رَبّكَ مُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ إنما هو إنما فعلنا ذلك من أجل أنا لا نهلك القُرَى بغير تذكير وتنبيه . وأما قوله : ذَلِكَ فإنه يجوز أن يكون نصبا ، بمعنى : فعلنا ذلك ، ويجوز أن يكون رفعا بمعنى الابتداء ، كأنه قال : ذلك كذلك . وأما «أن » فإنها في موضع نصب بمعنى : فعلنا ذلك من أجل أن لم يكن ربك مُهْلِك القرى ، فإذا حذف ما كان يخفضها تعلق بها الفعل فنصب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ أَن لَّمۡ يَكُن رَّبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا غَٰفِلُونَ} (131)

{ ذلك } إشارة إلى إرسال الرسل ، وهو خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك . { أن لم يكن ربكم مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون } تعليل للحكم وأن مصدرية أو مخففة من الثقيلة أي : الأمر لانتفاء كون ربك أو لأن الشأن لم يكن ربك مهلك أهل القرى بسبب ظلم فعلوه ، أو ملتبسين يظلم أو ظالما وهم غافلون لم ينبهوا برسول أو بدل من ذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ أَن لَّمۡ يَكُن رَّبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا غَٰفِلُونَ} (131)

وقوله تعالى : { ذلك أن لم يكن } الآية ، { ذلك } يصح أن يكون في موضع رفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره ذلك الأمر ، ويصح أن يكون في موضع نصب بتقدير فعلنا و { أن } مفعول من أجله و { القرى } المدن ، والمراد أهل القرى ، و { بظلم } يتوجه فيه معنيان ، أحدهما أن الله عز وجل لم يكن ليهلك المدن دون نذارة{[5100]} ، فيكون ظلماً لهم إذا لم ينذرهم ، والله ليس بظلام للعبيد ، والآخر أن الله عز وجل لم يهلك أهل القرى بظلم إذ ظلموا دون أن ينذرهم{[5101]} ، وهذا هو البين القويّ ، وذكر الطبري رحمه الله التأويلين .


[5100]:- النّذارة كالإنذار- قال في القاموس: "والنذير: الإنذار كالنّذارة بالكسر، وهذه عن الإمام الشافعي رضي الله عنه".
[5101]:- الظلم في هذا الوجه الثاني من الكافرين، والمعنى أن الله تعالى لم يكن ليهلك أهل القرى بسبب شرك من أشرك منهم، فهو مثل قوله سبحانه وتعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. وقد قال ابن عطية عن الوجه الثاني إنه هو البين القوي لأن الوجه الأول يوهم أن الله تعالى لو آخذهم قبل بعثة الرسل كان ظالما وليس الأمر كذلك عند أهل السنة والجماعة، لأن سبحانه وتعالى يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد.