غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ذَٰلِكَ أَن لَّمۡ يَكُن رَّبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا غَٰفِلُونَ} (131)

131

التفسير : { ذلك } إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وإنذارهم سوء العاقبة وهو خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك ويحتمل أن يكون مبتدأ خبره { أن لم يكن } وهو للتعليل والمعنى الأمر ما قصصنا عليك ، أو ذلك الذي ذكر لانتفاء كون ربك مهلك القرى و«أن » هي الناصبة للأفعال أو مخففة من الثقيلة ، وعلى هذا يكون ضمير الشأن محذوفاً أي أن الحديث كذا ، ويجوز أن يكون ، { أن لم يكن } بدلاً من { ذلك } كقوله : { وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع } [ الحجر : 66 ] ومعنى قوله : { بظلم } أي بسبب ظلم أقدموا عليه وهذا أليق بأصول الأشاعرة . أو المراد ظالماً لكم فيكون من فعل الله وهذا أنسب بأصول المعتزلة . ومعناه أنه تعالى لو أهلكهم قبل بعثة الرسل ولم ينبهوا برسول ولا كتاب كان ظالماً . وعلى هذا التفسير يمكن للأشاعرة أن يقولوا إنه لو فعل ذلك لم يكن ظلماً ولكنه يكون في صورة الظلم فأطلق الظلم على نفسه مجازاً وإلا فهو تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا اعتراض عليه لأحد في شيء من أفعاله . وأما قوله : { وأهلها غافلون } فليس المراد من هذه الغفلة أن يتغافل المرء عما يوعظ به وإنما معناه أنه لا يبين لهم كيفية الحال وأن لا يزيل عذرهم وعلتهم . قالت الأشاعرة : في الآية دلالة على أنه لا يحصل الوجوب قبل الشرع ، وأن العقل المحض لا يدل على الوجوب البتة لأنها تدل على أنه تعالى ما يعذب أحداً على أمر من الأمور قبل بعثة الرسل لكن بعدها . والمعتزلة قالوا : إنها تدل من وجه آخر على تقرير الوجوب قبل الشرع لأن قوله : { بظلم } إن كان عائداً إلى العبد دل على أنه يمكن أن يصدر منه الظلم والقبيح قبل البعثة ، وإن كان عائداً إلى الله تعالى فقد تم الاعتراف بتحسين العقل وتقبيحه .

/خ140