الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ذَٰلِكَ أَن لَّمۡ يَكُن رَّبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا غَٰفِلُونَ} (131)

قوله تعالى : { ذلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ } : فيه ثلاثة أوجه أحدها : أنه مبتدأٌ محذوف الخبرِ أي : ذلك الأمر . الثاني : عكسه أي الأمر ذلك . الثالث : أنه منصوبٌ بإضمار فعل أي : فَعَلْنا ذلك ، وإنما يظهر المعنى إذا عُرِفَ المشار إليه ، وهو يحتمل أن يكون إتيان الرسل قاصِّين الآيات ومنذرين بالحشر والجزاء ، وأن يكون ذلك الذي قَصَصْنا مِنْ أَمْرِ الرسل ، وأَمْر مَنْ كَذَّب ويحتمل أن يكون إشارةً إلى السؤال المفهوم من قوله " ألم يأتكم " .

وقوله " أن لم يكن " يجوز فيه وجهان ، أحدهما : أنه على حذف لام العلة أي : ذلك الأمر الذي قَصَصْنا ، أو ذلك الإِتيان أو ذلك السؤال لأجل أن لم يكن ، فلمَّا حُذِفَت اللامُ احتمل موضعُها الجرَّ والنصبَ كما عُرِفَ غير مرة . والثاني : أن يكون بدلاً من " ذلك " .

قال الزمخشري : " ولك أَنْ تجعلَه بدلاً من " ذلك " كقوله : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } [ الحجر : 22 ] انتهى . فيجوز أن يكون في محلِّ رفعٍ أو نصب على ما تقدم في ذلك ، إلا أن الزمخشري القائل بالبدلية لم يذكر في محل ذلك إلا الرفعَ على خبر مبتدأ مضمر ، و " أَنْ " يجوز أن تكونَ الناصبة للمضارع ، وأن تكون المخففة واسمها ضمير الشأن ، و " لم يكن " في محل رفع خبرها ، وهي نظير قوله { أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً } [ طه : 89 ] وقوله :

في فتيةٍ كسيوف الهند قد عَلِمُوا *** أنْ هالكٌ كلُّ مَنْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ

و " بظلمٍ " يجوز فيه وجهان ، أظهرهُما : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من " ربك " أو من الضمير في " مُهْلِكَ " أي : لم يكن مهلك القرى ملتبساً بظلم ، ويجوز أن يكون حالاً من القرى أي : ملتبسة بذنوبها ، والمعنيان منقولان في التفسير . والثاني : أنه يتعلق بمُهْلِك على أنه مفعول وهو بعيد ، وقد ذكره أبو البقاء . وقوله : " وأهلُها غافلون " جملة حالية .