قوله : { ذلك أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ } فيه ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنه مُبْتَدأ مَحْذُوف الخَبَر ، أي : ذَلِك الأمر .
الثالث : أنه مَنْصُوب فِعْل ، أي : فَعَلْنَا ذلك ، وإنما يَظْهَر المَعْنَى إذا عُرِف المُشَارُ إليه ، وهو يُحْتَمل أن يكُون إتْيَات الرُّسُل قاصّين الآيات ، ومُنذرين بالحشر والجزاء ، وأن يكون ذلك الذي قصصنا من أمر الرّسل وأمْر من كذَّب ، ويحتمل أن يكون إشَارَةً إلى السُّؤال المَفْهُوم من قوله : " ألَمْ يَأتِكُمْ " وقوله : " أنْ لَمْ يَكُنْ " يَجُوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه على حَذْفِ لام العِلَّة أي : ذلك الأمر الَّذي قَصصْنا ، أو ذلك الإتْيان ، أو ذلك السُّؤال لأجْل " أنْ لَمْ يَكُن " فلما حُذِفَت اللاَّم احتمل مَوْضِعُها الجَرّ والنَّصْب كما عُرِف مِرَاراً .
والثاني : أن يكُونَ بدلاً من ذلك .
قال الزَّمَخْشَري{[15218]} : ولك أن تَجْعَله بَدَلاً من ذلك ؛ كقوله : { وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } [ الحجر : 66 ] انتهى .
فيجوز أن يَكُون في محلّ رفع أو نصب على ما تقدَّم في ذلك ، إلاَّ أنَّ الزَّمَخْشَرِي القائل بالبَدليَّة لم يَذْكُر لأجْل ذلك إلاَّ الرَّفْع على خَبَر مُبْتَدأ مُضْمَر ، و " أنْ " يجوز أن تكون النَّاصِبَة للمُضَارع ، وأن تكُون مُخَفَّفَة ، واسْمُهَا ضَمِير الشَّأن ، و " لَمْ يَكُنْ " في محلِّ رفع خبرها ، وهو نظير قوله : { أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ } [ طه : 89 ] .
في فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْدِ قََدْ عَلَمُوا *** أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحفَى ويَنْتَعِلُ{[15219]}
و " بِظُلَم " يجُوز فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مُتعلِّق بِمَحْذُوف على أنَّه حالٌ من " ربُّك " أو من الضَّمير في " مُهْلِكَ " أي : لم يَكُن مُهْلِك القُرى مُلْتبِساً بِظُلْمٍ ، ويجُوز أن يكُون حالاً من القُرَى ، أي : مُلْتَبِسَة بذُنُوبها ، والمعْنَيَان منْقُولان في التَّفْسِير .
والثاني : أن يتعلَّق ب " مُهْلِكَ على أنَّه مَفْعُول وهو بَعِيد ، وقد ذكرَهُ أبو البقاء{[15220]} .
وقوله : " وأهْلُهَا غَافِلُون " جُمْلَة حالية أي : لم يُنْذَرُوا حتى يَبْعَث إليهم رُسُلاً تُنْذرهُم ، وقال الكَلْبِي : يُهْلِكُهم بذُنُوبِهم من قَبْل أنْ يَأتيهمُ الرُّسُل{[15221]} .
وقيل : مَعْنَاه لم يَكُن لِيُهْلِكَهُم دون التَّنْبيه والتَّذْكِير بالرُّسُل ، فيكون قد ظَلَمَهُم ؛ لأن الله -تبارك وتعالى- أجْرى السُّنَّة ألا يَأخذ أحداً إلا بعد وُجُود الذَّنْبِ ، وإنما يَكُون مُذْنِباً إذا أمِر فَلَمْ يأتَمِر ، ونُهِيَ فلم يَنْتَهِ ، وذلك إنما يكون بعد إنْذَار الرُّسُل ، وهذه الآية تدلُّ على أنَّه لا وُجُوب ولا تَكْلِيف قِبْلَ ورود الشَّرْع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.