التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

وقوله - تعالى - { والذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله والذين آوَواْ ونصروا أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً } كلام مسوق للثناء على القسمين الأولين من الأقسام الثلاثة للمؤمنين وهم المهاجرون والأنصار .

إذ أن الآية الأولى من هذه الآيات الكريمة قد ساقها الله - تعالى - لإيجاب التواصل بينهم ، أما هذه الآية فقد ساقها سبحانه - للثناء عليهم والشهادة لهم بأنهم هم المؤمنون حق الايمان وأكمله ، بخلاف من أقام من المؤمنين بدار الشرك ، مع الحاجة إلى هجرته وجهاده .

قال الفخر الرازى : أثنى الله - تعالى - على المهاجرين والأنصار من ثلاثة أوجه :

أولها - قوله : { أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً } فإن هذه الجملة تفيد المبالغة في مدحهم ، حيث وصفهم بكونهم محقين في طريق الدين .

وقد كانوا كذلك ، لأن من لم يكن محقا في دينه لم يتحمل ترك الأديان السالفة ، ولم يفارق الأهل والوطن ، ولم يبذل النفس والمال .

وثانيها - قوله : { لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ } والتنكير يدل على الكمال ، أى : مغفرة تامة كاملة .

وثالثها - قوله : { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } والمراد منه الثواب الرفيع .

والحاصل : أنه - سبحانه - شرح أحوالهم في الدنيا والآخرة . أما في الدنيا فقد وصفهم بقوله : { أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً } .

وأما في الآخرة فالمقصود إما دفع العقاب ، وإما جلب الثواب .

أما دفع العقاب فهو المراد بقوله { لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ . . . } وأما جلب الثواب فهو المراد بقوله { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آوَواْ وّنَصَرُوَاْ أُولََئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لّهُمْ مّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : وَالّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ والّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه ونصروهم ونصروا دين الله ، أولئك هم أهل الإيمان بالله ورسوله حقّا ، لا من آمن ولم يهاجر دار الشرك وأقام بين أظهر أهل الشرك ولم يغز مع المسلمين عدوّهم . لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يقول : لهم ستر من الله على ذنوبهم بعفوه لهم عنها ، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ يقول : لهم في الجنة طعم ومشرب هنيّ كريم ، لا يتغير في أجوافهم فيصير نَجْوا ، ولكنه يصير رشحا كرشح المسك . وهذه الاَية تنبىء عن صحة ما قلنا أن معنى قول الله : بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ في هذه الاَية ، وقوله : ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ إنما هو النصرة والمعونة دون الميراث لأنه جل ثناؤه عقب ذلك بالثناء على المهاجرين والأنصار والخبر عما لهم عنده دون من لم يهاجر بقوله : وَالّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ والّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا . . . الاَية ، ولو كان مرادا بالاَيات قبل ذلك الدلالة على حكم ميراثهم لم يكن عقيب ذلك إلا الحثّ على مضيّ الميراث على ما أمر ، وفي صحة ذلك كذلك الدليل الواضح على أن لا ناسخ في هذه الاَيات لشيء ولا منسوخ .