وهنا تزداد حيرة مريم ، ويشتد عجبها فتقول : { أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } .
أى : قالت على سبيل التعجب مما سمعته : كيف يكون لى غلام ، والحال أنى لم يمسنى بشر من الرجال عن طريق الزواج الذى أحله الله - تعالى - ، ولم أك فى يوم من الأيام بغياً ، أى : فاجرة تبغى الرجال . أو يبغونها للزنا بها . يقال : بغت المرأة تبغى إذا فجرت وتجاوزت حدود الشرف والعفاف .
قال صاحب الكشاف : جعل المس عبارة عن النكاح الحلال ، لأنه كناية عنه . كقوله - تعالى - { مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } والزنا ليس كذلك ، إنما يقال فيه : فجر بها وخبث بها وما أشبه ذلك ، وليس بقمن أن تراعى فيه الكنايات والآداب . والبَغِى : الفاجرة التى تبغى الرجال . . . " .
وعلى هذا الرأى الذى ذهب إليه صاحب الكشاف ، يكون ما حكاه القرآن عن مريم من قولها : { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ . . . } المقصود به النكاح الحلال .
ويرى آخرون أن المقصود به ما يشمل الحلال والحرام ، أى : ولم يمسسنى بشر كائناً من كان لا بنكاح ولا بزنى ، ويكون قوله : { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } من باب التخصيص بعد التعميم ، ويؤيد هذا الرأى قوله - تعالى - : { قَالَتْ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ الله يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ويؤيده أيضاً أن لفظ { بَشَرٌ } نكرة فى سياق النفى فيعم كل بشر سواء أكان زوجاً أم غير زوج .
قال القرطبى : قوله : { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } أى : زانية . وذكرت هذا تأكيداً لأن قولها { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } يشمل الحلال والحرام . . .
وقال الجمل فى حاشيته ما ملخصه : وإنما تعجبت مما بشرها به جبريل لأنها عرفت بالعادة أن الولادة لا تكون إلا بعد الاتصال برجل . فليس فى قولها هذا دلالة على أنها لم تعلم أنه - تعالى - قادر على خلق الولد ابتداء . كيف وقد عرفت أن أبا البشر قد خلقه الله - تعالى - من غير اب أو أم . . . " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.