فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلۡبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرۡتُ أَنۡ أُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (66)

{ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين( 66 )هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون( 67 )هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون( 68 ) } .

هو الحي على الحقيقة حياته أزلية أبدية { هو الأول والآخر . . } فادعوه واعبدوه مبتغين بدعائكم وعبادتكم وتوحيدكم رضوان الله دون سواه ، واحمدوه{[4076]} .

ليس من كلام أفضل من كلمة التوحيد ، والدعوة إلى الله الحميد المجيد ، والاعتزاز بالانتساب إلى هذا الدين القويم { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين }{[4077]} وهكذا أمر الله النبي وأمرنا في شخصه الكريم عليه الصلوات والتسليم ، وقد قامت الحجة على أن الملة الحنيفية هي التي يقبلها الله : { ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه . . }{[4078]} فهي صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة . . } ، والله رب العالمين هو الذي خلق آدم أبا البشر من تراب ، وجعل ذريته تبدأ خلقتها من قدر يسير من مني الرجل وإفراز المرأة ، ثم تتحول النطفة إلى علقة ، وتمضي العلقة في أطوارها حتى تخرج من الرحم طفلا ، ثم تصاحبه رعاية الله بالحفظ والنماء والبقاء حتى يبلغ تمام قوته ، ثم يعمّر من يشاء الله حتى يصير شيخا ، ومن البشر من يموت قبل أن يخرج طفلا ، فيتوفى سقطا ، أو يموت قبل أن يغدو شيخا ، ومنهم من يبقى بعد فتكون عاقبته أن يمتد به العمر إلى حين انقضاء أجله ، ولعلكم تعقلون ذلك فتستيقنوا من قدرة الله وتفرده بالجلال والتدبير ؛ والمعبود بحق يقدر على الإحياء والإماتة ، وإذا أراد شيئا فلا يعجزه تنفيذ مراده ، ولا يؤخره ، ولا يتوقف تمام فعله على شيء وإنما يقول له { كن فيكون }{[4079]} .


[4076]:فيكون التقدير قائلين: {الحمد لله رب العالمين}.
[4077]:سورة فصلت. الآية 33.
[4078]:سورة آل عمران. من الآية 85.
[4079]:يقول الألوسي: وهذا عند الخلق تمثل تأثير قدرته تعالى في المقدورات عند تعلق إرادته سبحانه بها...وتصوير لسرعة ترتب المكونات على تكوينه من غير أن يكون هناك آمر ومأمور وكل من الآمر والمأمور به يحصل في آن واحد.يقول صاحب غرائب القرآن: وأشار إلى أن الإحياء والإماتة ليسا من الأشياء التدريجية ولكنهما من الأمور الدفعية الموقفة على أمر {كن} فقط وذلك أن الحياة تحصل بتعلق النفس الناطقة بالبدن.. والموت يحدث من قطع ذلك التعلق.