الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

{ أنما أموالكم وأولادكم فتنة } ابتلاء واختبار لكم فمن كسب الحرام لأجل الأولاد ومنع ماله عن الحقوق فهو مفتون بالمال والولد { والله عنده أجر عظيم } لمن صبر عن الحرام وأنفق المال في حقه

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

قوله تعالى : " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " أي بلاء واختبار يحملكم على كسب المحرم ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله . وفي الحديث : ( يؤتى برجل يوم القيامة فيقال أكل عياله حسناته ) . وعن بعض السلف : العيال سوس الطاعات . وقال القتيبي : " فتنة " أي إغرام ، يقال : فتن الرجل بالمرأة أي شغف بها . وقيل : " فتنة " محنة . ومنه قول الشاعر :

لقد فتن الناس في دينهم *** وخلَّى ابن عفان شرا طويلا

وقال ابن مسعود : لا يقولن أحدكم اللهم اعصمني من الفتنة ؛ فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن ليقل : اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن . وقال الحسن في قوله تعالى : " إن من أزواجكم " : أدخل " من " للتبعيض ؛ لأن كلهم ليسوا بأعداء . ولم يذكر " من " في قوله تعالى : " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " لأنهما لا يخلوان من الفتنة واشتغال القلب بهما . روى الترمذي وغيره عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فجاء الحسن والحسين - عليهما السلام - وعليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران ، فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما بين يديه ، ثم قال : ( صدق الله عز وجل إنما أموالكم وأولادكم فتنة . نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ) ثم أخذ في خطبته . " والله عنده أجر عظيم " يعني الجنة ، فهي الغاية ، ولا أجر أعظم منها في قول المفسرين . وفي الصحيحين واللفظ للبخاري - عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ قالوا : يا رب وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ) . ولا شك في أن الرضا غاية الآمال . وأنشد الصوفية في تحقيق ذلك :

امتحن الله به خلقه *** فالنار والجنة في قبضته

فهجره أعظم من ناره *** ووصله أطيب من جنته

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

ولما{[65863]} حكم على البعض ، كان كأنه قيل : فما حكم سائره ؟ فكأن الحكم بذلك يلزم منه الحذر من الكل لكن للتصريح سر كبير في ركون النفس إليه ، فقال حاصراً الجميع ضاماً إليهم المال الذي به قيام ذلك كله وقدمه لأنه أعظم فتنة : { إنما } وأسقط الجار لأن شيئاً من ذلك لا يخلو عن شغل القلب فقال : { أموالكم } أي عامة { وأولادكم } كذلك { فتنة } أي اختبار مميل عن الله لكم وهو أعلم بما في نفوسكم منكم لكن ليظهر في عالم الشهادة من يميله ذلك فيكون عليه نقمة ممن لا يميله فيكون له نعمة ، فربما رام الإنسان صلاح ماله وولده فبالغ فأفسد نفسه ثم لا يصلح ذلك ماله ولا ولده ، وذلك أنه{[65864]} من شأنه أن يحمل على كسب الحرام {[65865]}ومنع{[65866]} الحق والإيقاع في الإثم ، روي عن أبي نعيم في الحلية في ترجمة سفيان{[65867]} الثوري عنه أنه قال : " يؤتى برجل يوم القيامة فيقال له : أكل عياله حسناته " " ويكفي فتنة المال قصة{[65868]} ثعلبة بن حاطب أحد من نزل فيه قوله فتنة تعالى :

{ ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن }{[65869]}[ التوبة : 75 ] " وكأنه سبحانه ترك ذكر الأزواج في الفتنة لأن منهن من يكون صلاحاً وعوناً على الآخرة .

ولما كان التقدير : ففي الاحتراز من فتنهم{[65870]} تعب كبير ، لا يفوت به منهم إلا حظ يسير ، وكانت النفس عند ترك مشتبهاتها ومحبوباتها قد{[65871]} تنفر ، عطف عليه مهوناً له بالإشارة إلى كونه فانياً وقد وعد عليه بما لا نسبة له منه مع بقائه قوله : { والله } أي ذو الجلال { عنده } وناهيك بما يكون منه بسبيل جلاله وعظمه { أجر } ولم يكتف سبحانه بدلالة السياق على أن التنوين للتعظيم حتى وصفه بقوله : { عظيم * } أي لمن ائتمر بأوامره التي إنما نفعها لصاحبها ، فلم يقدم على رضاه مالاً ولا ولداً ، وذلك الأجر أعظم من منفعتكم بأموالكم وأولادكم على وجه ينقص من الطاعة .


[65863]:- من ظ وم، وفي الأصل: كما.
[65864]:- زيد من ظ وم.
[65865]:- من م، وفي الأصل وظ: دمع.
[65866]:- من م، وفي الأصل وظ: دمع.
[65867]:من م، وفي الأصل وظ: أبي سفيان.
[65868]:- زيد من ظ وم.
[65869]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[65870]:- من ظ وم، وفي الأصل: فتنتهم.
[65871]:- من ظ وم: فقد.