قوله تعالى : " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله " أي بإرادته وقضائه . وقال الفراء : يريد إلا بأمر الله . وقيل : إلا بعلم الله . وقيل : سبب نزولها إن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا ، فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل ، يقتضي هما أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا فبعلم الله وقضائه .
قوله تعالى : " ومن يؤمن بالله " أي يصدق ويعلم أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله . " يهد قلبه " للصبر والرضا . وقيل : يثبته على الإيمان . وقال أبو عثمان الجيزي : من صح إيمانه يهد الله قلبه لاتباع السنة . وقيل : " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " عند المصيبة فيقول : " إنا لله وإنا إليه راجعون " [ البقرة : 156 ] ؛ قاله ابن جبير . وقال ابن عباس : هو أن يجعل الله في قلبه اليقين ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه . وقال الكلبي : هو إذا ابتلي صبر ، وإذا أنعم عليه شكر ، وإذا ظلم غفر . وقيل : يهد طبه إلى نيل الثواب في الجنة . وقراءة العامة " يهد " بفتح الياء وكسر الدال ؛ لذكر اسم الله أولا . وقرأ السلمي وقتادة " يهد قلبه " بضم الياء وفتح الدال على الفعل المجهول ورفع الباء ؛ لأنه اسم فعل لم يسم فاعله .
وقرأ طلحة بن مصرف والأعرج " نهد " بنون على التعظيم " قلبه " بالنصب . وقرأ عكرمة " يهدأ قلبه " بهمزة ساكنة ورفع الباء ، أي يسكن ويطمئن . وقرأ مثله مالك بن دينار ، إلا أنه لين الهمزة . " والله بكل شيء عليم " لا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلم لأمره ، ولا كراهة من كرهه .
ولما كان من تعرفه من المرغبين والمرهبين لا يفعل ذلك إلا فيما ليس{[65803]} قادراً على حفظه وضبطه حتى لا يحتاج العامل في عمل ذلك إلى رقيب يحفظه ووكيل يلزمه ذلك العمل ويضبطه ، وكان قول المنافقين المتقدم في الإنفاق والإخراج من المصائب ، وكانت المصائب تطيب إذا كانت من الحبيب ، قال جواباً لمن يتوهم عدم القدرة متمماً ما مضى من خلال{[65804]} الأعمال بالإيمان بالقدر خيره وشره ، مرغباً في التسليم مرهباً من الجزع قاصراً الفعل ليعم كل مفعول : { ما أصاب } أي أحداً يمكن المصائب أن تتوجه إليه ، وذكر الفعل إشارة إلى القوة ، وأعرق في النفي بقوله : { من مصيبة } أيّ مصيبة كانت {[65805]}دينية أو دنيوية{[65806]} من كفر أو غيره { إلا بإذن الله } أي بتقدير الملك الأعظم وتمكينه ، فلا ينبغي لمؤمن أن يعوقه شيء من ذلك عن التقوى النافعة في يوم التغابن .
ولما تسبب{[65807]} عن ذلك ما تقديره : فمن يكفر بالله بتقديره عليه الكفر يغو قلبه ويزده ضلالاً فيفعل ما يتوغل{[65808]} به في المصيبة حتى تصير مصائب عدة فتهلكه ، عطف عليه قوله باعثاً على أول ركني الإسلام وهو إصلاح القوة العلمية : { ومن يؤمن بالله } أي يوجد الإيمان في وقت من الأوقات ويجدده بشهادة أن لا إله إلا الله و{[65809]}أن محمداً رسول الله بسبب الملك الأعظم وتقديره وإذنه { يهد قلبه } أي يزده هداية بما يجدده{[65810]} له من التوفيق في كل وقت حتى يرسخ إيمانه فتنزاح عنه كل مصيبة ، فإنه يتذكر أنها من الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم بقضائه فيصبر له ويفعل ويقول ما أمر الله به ورسوله فيخف عليه ، ولا يعوقه عن شيء من المنجيات في{[65811]} يوم التغابن ، {[65812]}بل يحصل{[65813]} له بسببها عدة أرباح وفوائد ، فتكون حياته{[65814]} طيبة بالعافية الشاملة في الدينيات والكونيات لأن بالعافية في الكونيات{[65815]} تطيب الحياة في الدنيا ، وبالعافية في الدينيات تطيب الحياة في{[65816]} الآخرة فتكون العيشة راضية ، وذلك{[65817]} بأن يصير عمله كله صواباً في سرائه وضرائه فيترك كل فاحشة دينية ظاهرة بدنية وباطنة قلبية ويترك الهلع في المصائب الكونية كالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وذلك لأنه بصلاح القلب ينصلح البدن كله .
ولما كان التقدير تعليلاً لذلك : فاللّه على كل شيء قدير فهو{[65818]} لا يدع شيئاً يكون إلا بإذنه ، عطف عليه قوله : { والله } أي الملك الذي لا نظير له { بكل شيء } مطلقاً من غير مثنوية { عليم * } فإذا تحقق من هدى قلبه ذلك زاح كل اعتقاد باطل من كفر أو بدعة أو صفة خبيثة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.