الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

{ أَن يَجْعَلُوهُ } مفعول { أَجْمَعُواْ } من قولك : أجمع الأمر وأزمعه { فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ } [ يونس : 71 ] . وقرىء : «في غيابات » الجب : وقيل هو بئر بيت المقدس . وقيل : بأرض الأردنّ وقيل : بين مصر ومدين . وقيل : على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب . وجواب «لما » محذوف . ومعناه : فعلوا به ما فعلوا من الأذى ، فقد روي أنهم لما برزوا به إلى البرّية أظهروا له العدواة وأخذوا يهنونه ويضربونه ، وكلما استغاث بواحد منهم لم يغثه إلا بالإهانة والضرب ، حتى كادوا يقتلونه . فجعل يصيح : يا أبتاه ، لو تعلم ما يصنع بابنك أولاد الإماء ، فقال يهوذا : أما أعطيتموني موثقاً أن لا تقتلوه ؟ فلما أرادوا إلقاءه في الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يده ، فتعلق بحائط البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه ، فقال : يا إخوتاه ، ردّوا عليّ قميصي أتوارى به ، وإنما نزعوه ليلطخوه بالدم ويحتالوا به على أبيهم ، فقالوا له : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكباً تؤنسك ، ودلوه في البئر ، فلما بلغ نصفها ألقوه ليموت ، وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فقام عليها وهو يبكي ، فنادوه فظنّ أنها رحمة أدركتهم ، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه ليقتلوه فمنعهم يهوذا ، وكان يهوذا يأتيه بالطعام . ويروى أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وجرّد عن ثيابه أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه ، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق ، وإسحاق إلى يعقوب ، فجعله يعقوب في تميمة علقها في عنق يوسف ، فجاء جبريل فأخرجه وألبسه إياه { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ } قيل أُوحي إليه في الصغر كما أُوحي إلى يحيى وعيسى : وقيل كان إذا ذاك مدركاً . وعن الحسن : كان له سبع عشرة سنة { لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا } وإنما أُوحي إليه ليؤنس في الظلمة والوحشة ، ويبشر بما يؤول إليه أمره . ومعناه : لتتخلصن مما أنت فيه ، ولتحدّثن إخوتك بما فعلوا بك { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنك يوسف لعلوّ شأنك وكبرياء سلطانك ، وبعد حالك عن أوهامهم ، ولطول العهد المبدّل للهيئات والأشكال ، وذلك أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون ، دعا بالصواع فوضعه على يده ، ثم نقره فطنّ فقال : إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف ، وكان يدنيه دونكم ، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه في غيابة الجب ، وقلتم لأبيكم : أكله الذئب ، وبعتموه بثمن بخس . ويجوز أن يتعلق { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بقوله { وَأَوْحَيْنَا } على أنا آنسناه بالوحي وأزلنا عن قلبه الوحشة ، وهم لا يشعرون ذلك ويحسبون أنه مرهق مستوحش لا أنيس له وقرىء : «لننبئنهم » بالنون على أنه وعيد لهم . وقوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } متعلق بأوحينا لا غير .