الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالُوٓاْ ءَأَنتَ فَعَلۡتَ هَٰذَا بِـَٔالِهَتِنَا يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ} (62)

هذا من معاريض الكلام ولطائف هذا النوع لا يتغلغل فيها إلا أذهان الراضة من علماء المعاني . والقول فيه أنّ قصد إبراهيم صلوات الله عليه لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم ، وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضي يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم ، وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتاباً بخط رشيق وأنت شهير بحسن الخط : أأنت كتبت هذا وصاحبك أمّيّ لا يحسن الخطّ ولا يقدر إلا على خرمشة فاسدة ؟ ! فقلت له : بل كتبته أنت ، كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به ، لا نفيه عنك وإثباته للأمّيّ أو المخرمش ، لأنّ إثباته - والأمر دائر بينكما للعاجز منكما - استهزاء به وإثبات للقادر ، ولقائل أن يقول : غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة مرتبة ، وكان غيظ كبيرها أكبر وأشدّ لما رأى من زيادة تعظيمهم له . فأسند الفعل إليه لأنه هو الذي تسبب لاستهانته بها وحطمه لها ، والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه . ويجوز أن يكون حكاية لما يقول إلى تجويزه مذهبهم ، كأنه قال لهم : ما تنكرون أن يفعله كبيرهم . فإنّ من حق من يعبد ويدعى إلها أن يقدر على هذا وأشدّ منه . ويحكى أنه قال : فعله كبيرهم هذا غضب أن تعبد معه هذه الصغار وهو أكبر منها . وقرأ محمد بن السُّمَيْقَع «فعله كبيرهم » ، يعني : فلعله ، أي فلعلّ الفاعل كبيرهم .