الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَجَعَلَهُمۡ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ} (58)

{ جُذَاذاً } قطاعاً ، من الجذ وهو القطع . وقرىء بالكسر والفتح . وقرىء : «جَذَذَاً » جمع جَذيذ ، و«جذذاً » جمع جذة . وإنما استبقى الكبير لأنه غلب في ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه ، لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم ، فيبكتهم بما أجاب به من قوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْئَلُوهُمْ } وعن الكلبي { إِلَيْهِ } إلى كبيرهم . ومعنى هذا : لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات ، فيقولون له : ما لهؤلاء مكسورة ومالك صحيحاً والفأس على عاتقك ؟ قال هذا بناء على ظنه بهم ، لما جرب وذاق من مكابرتهم لعقولهم واعتقادهم في آلهتهم وتعظيمهم لها . أو قاله مع علمه أنهم لا يرجعون إليه استهزاء بهم واستجهالاً ، وأن قياس حال من يسجد له ويؤهله للعبادة أن يرجع إليه في حل كل مشكل .

فإن قلت : فإذا رجعوا إلى الصنم بمكابرتهم لعقولهم ورسوخ الإشراك في أعراقهم ، فأي فائدة دينية في رجوعهم إليه حتى يجعله إبراهيم صلوات الله عليه غرضاً ؟ قلت : إذا رجعوا إليه تبين أنه عاجز لا ينفع ولا يضر ، وظهر أنهم في عبادته على جهل عظيم .