الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

{ قُلْنَا يانار كُونِى بَرْداً وسلاما } ويحكى . ما أحرقت منه إلا وثاقه . وقال له جبريل عليه السلام حين رمي به : هل لك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا . قال : فسل ربك . قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : إنما نجا بقوله : حسبي الله ونعم الوكيل ، وأطل عليه نمروذ من الصرح فإذا هو في روضة ومعه جليس له من الملائكة ، فقال : إني مقرّب إلى إلهك ، فذبح أربعة آلاف بقرة وكفّ عن إبراهيم ، وكان إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه إذ ذاك ابن ست عشرة سنة . واختاروا المعاقبة بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه ، ولذلك جاء : « لا يعذب بالنار إلا خالقها » ومن ثم قالوا : { إِن كُنتُمْ فاعلين } أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصراً مؤزراً ، فاختاروا له أهول المعاقبات وهي الإحراق بالنار ، وإلا فرّطتم في نصرتها . ولهذا عظموا النار وتكلفوا في تشهير أمرها وتفخيم شأنها ، ولم يألوا جهداً في ذلك . جعلت النار لمطاوعتها فعل الله وإرادته كمأمور أمر بشيء فامتثله . والمعنى : ذات برد وسلام ، فبولغ في ذلك ، كأن ذاتها برد وسلام . والمراد : ابردي فيسلم منك إبراهيم . أو ابردي برداً غير ضارّ . وعن ابن عباس رضي الله عنه : لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها .

فإن قلت : كيف بردت النار وهي نار ؟ قلت : نزع الله عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحرّ والإحراق ، وأبقاها على الإضاءة [ والإشراق ] والاشتعال كما كانت ، والله على كل شيء قدير . ويجوز أن يدفع بقدرته عن جسم إبراهيم عليه السلام أذى حرّها ويذيقه فيها عكس ذلك ، كما يفعل بخزنة جهنم ، ويدل عليه قوله : { على إبراهيم } .