الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُوٓاْ ءَأَنتَ فَعَلۡتَ هَٰذَا بِـَٔالِهَتِنَا يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ} (62)

قوله : { أَأَنْتَ فَعَلْتَ } : في " أنت " وجهان ، أحدهما : أنه فاعلٌ بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّرُه الظاهرُ بعدَه . والتقدير : أفعلتَ هذا بآلهتِنا ، فلمَّا حُذِفَ الفعلُ انفصَلَ الضميرُ . والثاني : أنه مبتدأٌ ، والخبرُ بعده الجملةُ . والفرقُ بين الوجهين من حيثُ اللفظُ واضحٌ : فإنَّ الجملةَ مِنْ قولِه " فَعَلْتَ " الملفوظِ بها على الأولِ لا محلَّ لها لأنها مُفَسّرةٌ ، ومحلُّها الرفعُ على الثاني ، ومن حيث المعنى : إن الاستفهامَ إذا دَخَلَ على الفعلِ أَشْعَرَ بأن الشَّكَّ إنما تعلَّق به : هل وقع أم لا ؟ من غيرِ شكٍ في فاعلِه . وإذا دخل على الاسم وقع الشكُّ فيه : هل هو الفاعلُ أم غيرُه ، والفعل غيرُ مشكوكٍ في وقوعه ، بل هو واقعٌ فقط . فإذا قلت : " أقام زيدٌ " ؟ كان شكُّك في قيامِه . وإذا قلتَ : " أزيدٌ قام " وجعلتَه مبتدأً كان شُكَّكَ في صدورِ الفعل منه أم من عمرٍو . والوجه الأولُ هو المختارُ عند النحاةِ لأنَّ الفعلَ تقدَّم ما يطلبُه وهو أداةُ الاستفهام .