الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۚ وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٞ} (24)

{ بالحق } حال من أحد الضميرين ، يعني : محقاً أو محقين ، أو صفة للمصدر ، أي : إرسالاً مصحوباً بالحق . أو صلة لبشير ونذير على : بشيراً بالوعد الحق ، ونذيراً بالوعيد الحق [ وإن من أُمة إلاخلا فيها نذير ] . والأمّة الجماعة الكثيرة . قال الله تعالى : { وجد عليه أمّة من الناس } [ القصص : 23 ] ، ويقال لأهل كل عصر : أمّة ، وفي حدود المتكلمين : الأمّة هم المصدقون بالرسول صلى الله عليه وسلم دون المبعوث إليهم ، وهم الذين يعتبر إجماعهم ، والمراد ههنا : أهل العصر .

فإن قلت : كم من أمّة في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ولم يخل فيها نذير ؟ قلت : إذا كانت آثار النذارة باقية لم تخل من نذير إلى أن تندرس ، وحين اندرست آثار نذارة عيسى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم .

فإن قلت : كيف اكتفى بذكر النذير عن البشير في آخر الآية بعد ذكرهما ؟ قلت : لما كانت النذارة مشفوعة بالبشارة لا محالة ، دلّ ذكرها على ذكرها ، لا سيما قد اشتملت الآية على ذكرهما .