فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۚ وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٞ} (24)

{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ } أي محقين أو محقا أو إرسالا متلبسا بالحق أي بالهدى { بَشِيرًا } بالوعد الحق { وَنَذِيرًا } بالوعيد الحق أو بشيرا لأهل الطاعة ونذيرا لأهل المعصية .

{ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ } أي ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها ، والأمة الجماعة الكثيرة ، وتقال لكل أهل عصر ، والمراد هنا أهل العصر ، واقتصر على ذكر النذير دون البشير لأنه ألصق بالمقام .

فإن قلت : كم من أمة في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يخل فيها نذير ؟ قلت : إذا كانت آثار النذارة باقية لم تخل من نذير إلا أن تندرس وحين اندرست آثار نذارة عيسى عليه السلام بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وآثار نذارته باقية إلى يوم القيامة لأنه لا نبي بعده ، فهل من مدكر ، وهذا يقتضي أن أهل الفترة مكلفون لبقاء آثار الرسل المتقدمة فيهم ، وهو خلاف ما في شرح ابن حجر على الهمزية أن أهل الفترة من أهل الجنة وإن غيروا وبدلوا وعبدوا غير الله ، لأنه لم يرسل إليهم رسولا لأن من قبلهم من الرسل انتهت رسالته بموته إذ لم يعلم لأحد من الرسل استمرار رسالته بعد الموت إلا نبيا صلى الله عليه وسلم ، فهم غير مكلفين بما يفعلونه ولو كان صورة معصية .

لكن ورد النص بتعذيب بعض أهل الفترة كعمرو ابن لحي فيتلقى ، ويعتقد فيمن ورد فيهم بخصوصهم ، لا لأن ما فعلوه كفر بل لحكمة يعلمها الله تعالى لم نطلع عليها . انتهى ملخصا . وحينئذ فالظاهر أنه لا يحصل الاتصال بين الآية وبين ما تقرر إلا بأن يلزم أن جملة العرب أمة ويصدق تقدم النذير فيها بتقدم إسماعيل وإن بني إسرائيل أمة ، ويصدق تقدم النذير فيهم بتقدم عيسى ومن قبله فتأمل .