السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۚ وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٞ} (24)

ثم بين تعالى أنه ليس نذيراً من تلقاء نفسه إنما هو بإذن الله تعالى وإرساله بقوله تعالى : { إنا } أي : بما لنا من العظمة { أرسلناك } أي : إلى هذه الأمة { بالحق } أي : الأمر الكامل في الثبات الذي يطابقه الواقع ، فإن من نظر إلى كثرة ما أوتيه من الدلائل علم مطابقة الواقع لما يأمر به .

تنبيه : يجوز في قوله تعالى : { بالحق } أوجه : أحدها : أنه حال من الفاعل أي : أرسلناك محقين ، أو من المفعول أي : محقاً ، أو نعت لمصدر محذوف أي : إرسالاً متلبساً بالحق ويجوز أن يكون صلة لقوله تعالى { بشيراً } أي : لمن أطاع { ونذيراً } أي : لمن عصى { وإن } أي : وما { من أمة إلا خلا } أي : سلف { فيها نذير } أي : نبي ينذرها .

تنبيه : الأمة : الجماعة الكثيرة قال تعالى { وجد عليه أمّة من الناس يسقون } ( القصص : 23 ) ويقال لكل أهل عصر أمة ، والمراد ههنا أهل العصر ، فإن قيل : كم من أمة في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يخل فيها نذير ، أجيب : بأن آثار النذارة إذا كانت باقية لم تخل من نذير إلى أن تندرس وحين اندرست آثار نذارة عيسى عليه السلام بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم فإن قيل : كيف اكتفى بذكر النذير عن البشير في آخر الآية بعد ذكرهما ؟ أجيب : بأنه لما كانت النذارة مشفوعة من البشارة لا محالة دلّ ذكرها على ذكرها ، لاسيما وقد اشتملت الآية على ذكرهما ، أو لأن الإنذار هو المقصود والأهم من البعثة .