الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

{ الذين يجادلون } بدل من { مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ }

فإن قلت : كيف جاز إبداله منه وهو جمع وذاك موحد ؟ قلت : لأنه لا يريد مسرفاً واحداً ، فكأنه قال : كل مسرف .

فإن قلت : فما فاعل { كَبُرَ } ؟ قلت : ضمير من هو مسرف .

فإن قلت : أما قلت هو جمع ، ولهذا أبدلت منه الذين يجادلون ؟ قلت : بلى هو جمع في المعنى . وأما اللفظ فموحد ، فحمل البدل على معناه ، والضمير الراجع إليه على لفظه ، وليس ببدع أن يحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى ، وله نظائر ، ويجوز أن يرفع الذين يجادلون على الابتداء ، ولا بدّ في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضمير في كبر ، تقديره : جدال الذين يجادلون كبر مقتاً ، ويحتمل أن يكون { الذين يجادلون } مبتدأ ؛ و { بِغَيْرِ سلطان أتاهم } خبراً ، وفاعل كبر قوله : { وكذلك } أي كبر مقتاً مثل ذلك الجدال ، و { يَطْبَعُ الله } كلام مستأنف ، ومن قال : كبر مقتاً عند الله جدالهم ، فقد حذف الفاعل والفاعل لا يصحّ حذفه . وفي { كَبُرَ مَقْتاً } : ضرب من التعجب والاستعظام لجدالهم ، والشهادة على خروجه من حدِّ إشكاله من الكبائر . وقرىء : «سلطان » بضم اللام . وقرىء : «قلب » بالتنوين ، ووصف القلب بالتكبر والتجبر ، لأنه مركزهما ومنبعهما ، كما تقول : رأت العين ، وسمعت الأذن . ونحوه قوله عزّ وجل { فإنه آثم قلبه } [ البقرة : 283 ] وإن كان الآثم هو الجملة . ويجوز أن يكون على حذف المضاف ، أي : على كل ذي قلب متكبر ، تجعل الصفة لصاحب القلب .