الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡوَعِيدِ} (20)

{ وَنُفِخَ فِى الصور } ، وسكرة الموت : شدّته الذاهبة بالعقل . والباء في بالحق للتعدية ، يعني : وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الذي أنطق الله به كتبه وبعث به رسله . أو حقيقة الأمر وجلية الحال : من سعادة الميت وشقاوته . وقيل : الحق الذي خلق له الإنسان ، أن كل نفس ذائقة الموت . ويجوز أن تكون الباء مثلها في قوله : { تَنبُتُ بالدهن } [ المؤمنون : 20 ] أي وجاءت ملتبسة بالحق ، أي : بحقيقة الأمر . أو بالحكمة والغرض الصحيح ، كقوله تعالى : { خَلَقَ السموات والأرض بالحق } [ الأنعام : 73 ] وقرأ أبو بكر وابن مسعود رضي الله عنهما «سكرة الحق بالموت » على إضافة السكرة إلى الحق والدلالة على أنها السكرة التي كتبت على الإنسان وأوجبت له ، وأنها حكمة . والباء للتعدية ؛ لأنها سبب زهوق الروح لشدتها ، أو لأنّ الموت يعقبها ؛ فكأنها جاءت به . ويجوز أن يكون المعنى : جاءت ومعها الموت . وقيل سكرة الحق سكرة الله ، أضيفت إليه تفظيعاً لشأنها وتهويلاً . وقرىء : «سكرات الموت » { ذَلِكَ } إشارة إلى الموت ، والخطاب للإنسان في قوله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان } [ الحجر : 26 ] على طريق الالتفات . أو إلى الحق والخطاب للفاجر { تَحِيدُ } تنفر وتهرب . وعن بعضهم : أنه سأل زيد بن أسلم عن ذلك فقال : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فحكاه لصالح بن كيسان فقال : والله ما سنّ عالية ولا لسان فصيح ولا معرفة بكلام العرب ، هو للكافر . ثم حكاهما للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس فقال : أخالفهما جميعاً : هو للبر والفاجر { ذَلِكَ يَوْمَ الوعيد } على تقدير حذف المضاف ، أي : وقت ذلك يوم الوعيد ، والإشارة إلى مصدر نفخ .