الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ} (17)

{ إِذْ } منصوب بأقرب ، وساغ ذلك لأنّ المعاني تعمل في الظرف متقدّمة ومتأخرة ، والمعنى : أنه لطيف يتوصل علمه إلى خطرات النفس وما لا شيء أخفى منه ، وهو أقرب من الإنسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به ، إيذاناً بأن استحفاظ الملكين أمر هو غني عنه ؛ وكيف لا يستغني عنه وهو مطلع على أخفى الخفيات ؟ وإنما ذلك لحكمة اقتضت ذلك : وهي ما في كتبة الملكين وحفظهما ، وعرض صحائف العمل يوم يقوم الأشهاد . وعلم العبد بذلك مع علمه بإحاطة الله بعمله . من زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّ مقعد ملكيك على ثنيتيك ، ولسانك قلمهما ، وريقك مدادهما ، وأنت تجري فيما لا يعنيك لا تستحي من الله تعالى ولا منهما " ويجوز أن يكون تلقي الملكين بياناً للقرب ، يعني : ونحن قريبون منه مطلعون على أحواله مهيمنون عليه ، إذ حفظتنا وكتبتنا موكلون به ، والتلقي : التلقن بالحفظ والكتبة . والقعيد : القاعد ، كالجليس بمعنى الجالس ، وتقديره : عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد من المتلقيين ، فترك أحدهما لدلالة الثاني عليه ، كقوله :

. . . كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي *** بَرِيَّا . . . . . . . . .