الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{مَّنۡ خَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِ وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ} (33)

و { مَّنْ خَشِىَ } بدل بعد بدل تابع لكل . ويجوز أن يكون بدلاً عن موصوف أوّاب وحفيظ ، ولا يجوز أن يكون في حكم أوّاب وحفيظ ؛ لأنّ من لا يوصف به ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي وحده . ويجوز أن يكون مبتدأ خبره : يقال لهم ادخلوها بسلام ، لأنّ { مَّنْ } في معنى الجمع . ويجوز أن يكون منادى كقولهم : من لا يزال محسناً أحسن إليّ ، وحذف حرف النداء للتقريب { بالغيب } حال من المفعول ، أي : خشيه وهو غائب لم يعرفه ، وكونه معاقباً إلا بطريق الاستدلال . أو صفة لمصدر خشى ، أي خشية خشية ملتبسة بالغيب ، حيث خشي عقابه وهو غائب ، أو خشية بسبب الغيب الذي أوعده به من عذابه ، وقيل : في الخلوة حيث لا يراه أحد .

فإن قلت : كيف قرن بالخشية اسمه الدال على سعة الرحمة ؟ قلت : للثناء البليغ على الخاشي وهو خشيته ، مع علمه أنه الواسع الرحمة . كما أثنى عليه بأنه خاش ، مع أنّ المخشى منه غائب ، ونحوه : { والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } [ المؤمنون : 60 ] فوصفهم بالوجل مع كثرة الطاعات . وصف القلب بالإنابة وهي الرجوع إلى الله تعالى ؛ لأنّ الاعتبار بما ثبت منها في القلب .