قوله : { قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } : الضمير لمُوسى وهارُون .
قيل : كان موسى يدعو وهارون يُؤمِّن ، فنسب الدعاء إليهما ؛ لأنَّ المؤمن أيضاً داعٍ ؛ لأنَّ قوله : " آمين " أي : استجب .
وقيل : المراد موسى وحده ، ولكن كنًى عن الواحد بضمير الاثنين .
وقيل : لا يبعُد أن يكون كلُّ واحدٍ منهما ذكر هذا الدُّعاء ؛ غاية ما في الباب أن يقال : إنَّما حَكَى هذا الدعاء عن موسى ، بقوله : { وَقَالَ موسى رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً } إلاَّ أنَّ هذا لا ينافي أن يكون هارون ذكر ذلك الدعاء أيضاً .
وقرأ السلمي{[18593]} ، والضحاك : " دَعواتُكُما " على الجمع .
وقرأ ابن السَّميفع : " قَدْ أجبتُ دعوتكما " {[18594]} بتاء المتكلم ، وهو الباري - تعالى - ، " دَعوتَكُمَا " نصب على المفعول به .
وقرأ الرِّبيع : " أجَبْتُ دعوتيكُما " {[18595]} بتاء المتكلم أيضاً ، ودعوتيكما تثنيةٌ ، وهي تدلُّ لمن قال : إنَّ هارون شارك موسى في الدُّعاء .
قوله : " فاسْتَقِيمَا " أي : على الدَّعوة والرِّسالة ، وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم العذابُ ، قال ابن جريج : لبث فرعون بعد هذا الدُّعاء أربعين سنة{[18596]} .
" وَلاَ تَتَّبِعَانِّ " : قرأ العامَّةُ بتشديد التاء والنون ، وقرأ حفص{[18597]} بتخفيف النُّون مكسورة ، مع تشديد التَّاء وتخفيفها ، وللقُرَّاء في ذلك كلامٌ مضطربٌ بالنِّسبة للنَّقْلِ عنهُ .
فأمَّا قراءةُ العامَّة ، ف " لا " فيها للنَّهي ، ولذلك أكَّد الفعل بعدها ، ويضعفُ أن تكون نافية ؛ لأنَّ تأكيد المنفيِّ ضعيفٌ ، ولا ضرورة بنا إلى ادِّعائه ، وإن كان بعضهم قد ادَّعى ذلك في قوله : { لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ } [ الأنفال : 25 ] لضرورةٍ دعتْ إلى ذلك هناك ، وقد تقدَّم تحريره في موضعه ، وعلى الصحيح تكون هذه جملة نهيٍ معطوفة على جملة أمرٍ .
قال الزجاج : " ولا تتَّبعانِّ " : موضعه جزم ، تقديره : و لا تتَّبِعَا ، إلاَّ أنَّ النُّون الشديدة ، دخلت على النهي مؤكدة وكسرت لسكونها ، وسكون النون التي قبلها ، فاختير لها الكسرة ، لأنها بعد الألف تشبه نون التثنية .
وأمَّا قراءة حفص ، ف " لاَ " : تحتمل أن تكون للنَّفي ، وأن تكون للنَّهْي .
فإن كانت للنفي ، كانت النون نون رفعٍ ، والجملة حينئذٍ فيها أوجه :
أحدها : أنَّها في موضع الحال ، أي : فاسْتقيمَا غيرَ مُتَّبِعيْنِ ، إلاَّ أنَّ هذا مُعترض بما قدَّمْتُه من أنَّ المضارعَ المنفيَّ ب " لا " كالمثبت في كونه لا تباشره واو الحال ، إلاَّ أن يقدَّر قبلهُ مبتدأ ، فتكون الجملة اسميَّة أي : وأنتما لا تتَّبعَان .
والثاني : أنَّهُ نفيٌ في معنى النَّهي ؛ كقوله - تعالى - : { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله } [ البقرة : 83 ] .
الثالث : أنَّها خبرٌ محضٌ مستأنف ، لا تعلُّق له بما قبله ، والمعنى : أنَّهُمَا أخبرا بأنَّهما لا يتَّبعانِ سبيل الذين لا يعلمون .
وإن كانت للنَّهي ، كانت النون للتوكيد ، وهي الخفيفة ، وهذا لا يراه سيبويه ، والكسائي ، أعني : وقوع النون الخفيفة بعد الألف ، سواء كانت الألف ألف تثنية ، أو ألف فصلٍ بين نُون الإناث ، ونون التوكيد ، نحو " هل تضربنانِ يا نسوة " وقد أجاز يونس ، والفرَّاء : وقوع الخفيفة بعد الألف وعلى قولهما تتخرَّج القراءةُ ، وقيل : أصلها التشديد ، وإنَّما خففت للثقل فيها ؛ كقولهم : " رُبَ " في " رُبَّ " .
وأمَّا تشديدُ التاء وتخفيفها ، فلغتان ، من اتَّبَع يتَّبع ، وتَبع يتْبَع ، وقد تقدَّم [ الأعراف : 175 ] هل هما بمعنى واحد ، أو مختلفان في المعنى ؟ وملخصه : أنَّ تتبعه بشيءٍ : خلفه ، واتَّبعه كذلك ، إلاَّ أنه حاذاهُ في المشي واقتدى بِهِ ، وأتبعه : لحقهُ .
المعنى : لا تسلك طريق الجاهلين الذين يظنُّون أنه : متى كان الدعاء مُجاباً ، كان المقصُود حاصلاً في الحال ، فربما أجاب الله تعالى الإنسان في مطلوبه ، إلاَّ أنَّه يوصله إليه في وقته المقدَّر ؛ فإنَّ وعد الله لا خلف له ، والاستعجال لا يصدر إلا من الجُهَّال ؛ كما قال لنُوح - عليه الصلاة والسلام - { إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين } [ هود : 46 ] ، وهذا النَّهي لا يدلُّ على صدور ذلك من موسى - عليه الصلاة والسلام - كما أن قوله : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] لا يدل على صدور الشرك منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.